كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وتأويل المثل أن الزارع هو الواجب تعالى والمزرعة الدنيا وحبة خردل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهي أصغر جميع الحبوب على بادئ الرأي لأن جميع الأمم كانوا يستهزئون بالعرب لكونهم من أهل البادية وعدم رواج العلم في أماكنهم وعدم تنعمهم باللذات الجسمانية، واليهود كانوا يستحقرونهم لكونهم من أولاد هاجر، فقوله: " هي أصغر الحبوب " جملة حالية فلما نمت أي بلغ إلى رشده واستوفى من درجة الرسالة العامة أشُدَّه صارت أعظم النباتات أي صار أشرف الرسل وأكملهم لبقاء ملته إلى قيام القيامة، ولأنه لم يقلد ما قبله من الرسل الرِّسالة العامة اصبحت أي صارت شجرة تأتي إليها طيور الجو جملة حالية وقعت صفة الشجرة والمراد بطيور الجو الأمم الذين لم يقلدوا بغير الناموس وتسكن في أغصانها أي تطمئن تحت أحكام شريعته صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذه أحد عشر نصاً يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ولا يقدر أحد من أهل الكتاب على إنكار وجوده فيهما، والبراهين على إثبات نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - في الكتب القديمة السماوية من التوراة والإنجيل والزبور كثيرة جداً لا يسع بسطها هذا المقام، فإن شئت الاطلاع عليها فارجع إليها وإلى ما نقله الإسلاميون عنها في كتب الرد على النصارى.
وهذه الأدلة كلها لها دلالة صريحة على ما نطق به القرآن الكريم في هذه الآية أعني يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل وفي أمثالها وهذا مع تحريف تلك الكتب لفظاً أو معنى أو بكليهما.
وأما البشارات التي وردت في حقه - صلى الله عليه وسلم - كما قال سبحانه وتعالى مشيراً إلى ذلك في قوله نقلاً عن عيسى بن مريم عليه السلام: (ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) فهي كثيرة جداًَ ايضاً سنذكر بعضه تحت الآية الكريمة المذكورة إن شاء الله.

الصفحة 52