كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)
(قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) لما تقدم ذكر أوصاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المكتوبة في التوراة والإنجيل، أمره سبحانه أن يقول هذا القول المقتضى لعموم رسالته إلى الناس والجن جميعاً لا كما كان غيره من الرسل عليهم السلام، فإنهم كانوا يبعثون إلى قومهم خاصة، قال ابن عباس: بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم إلى الأسود والأحمر، والأحاديث الصحيحة الكثيرة في هذا المعنى مشهورة فلا نطيل بذكرها.
(الذي له ملك السموات والأرض) ملكاً وعبيداً وتصرفاً وقوله (لا إله إلا هو) بدل من الصلة مقرر لمضمونها مبين لها لأن من ملك السموات والأرض وما فيهما هو الإله على الحقيقة، وهكذا من كان (يحيي ويميت) هو المستحق بتفرده بالربوبية ونفي الشركاء عنه، والجملة سيقت لبيان اختصاصه بالإلهية لأنه لا يقدر على الإحياء والإماته غيره، قاله الزمخشري وذكره السمين فلذا قال:
(فآمنوا) والأمر بالإيمان (بالله ورسوله) متفرع على ما قبله وفي العدول عن المضمر إلى الاسم الظاهر بلاغة (النبي الأمي) هما وصفان لرسوله وكذلك (الذي يؤمن بالله وكلماته) وصف له والمراد بالكلمات ما أنزله الله عليه وعلى الأنبياء من قبله أو آياته أو عيسى قاله مجاهد والسدي أو القرآن فقط قاله قتادة والعموم أولى.
وجملة (واتبعوه) مقررة لجملة فآمنوا به، والاتباع يعم الأقوال والأفعال والاعتقاد والأعمال (لعلكم تهتدون) علة للأمر بالإيمان والاتباع.

الصفحة 53