كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

منها قاله ابن عباس.
(و) الحال أنهم قد (درسوا ما فيه) أي الكتاب وعلموه ولم يأتوه بجهالة فكان الترك منهم عن علم لا عن جهل، وذلك أشد ذنباً وأعظم جرماً وقيل معناه: محوه بترك العمل به وإلْفهم له من قولهم درست الريح الآثار إذا محتها (والدار الآخرة خير) من ذلك العرض الذي أخذوه وآثروه عليها وارتشوا في الأحكام (للذين يتقون) الله ويخافون عقابه ويجتنبون معاصيه (أفلا تعقلون) فتعلمون بهذا وتفهمونه، وفي هذا الالتفات من التوبيخ والتقريع ما لا يقادر قدره.
(والذين يمسكون بالكتاب) قرأ الجمهور بالتشديد من مسَّك بالشيء وتمسك به أي استمسكوا بالكتاب وهو التوراة وقرئ بالتخفيف من أمسك مسك، والمعنى أن طائفة من أهل الكتاب لا يتمسكون بالكتاب ولا يعملون بما فيه مع كونهم قد درسوه وعرفوه وهم من تقدم ذكرهم، وطائفة يتمسكون بالكتاب أي التوراة ويعملون بما فيه ويرجعون إليه في أمر دينهم فهم المحسنون الذين لا يضيع أجرهم عند الله وقال عطاء: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
(وأقاموا الصلاة) أي داموا على إقامتها في مواقيتها، قال الحسن: هي لأهل الإيمان منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وقال مجاهدة، هي لليهود والنصارى وإنما وقع التنصيص على الصلاة مع كونها داخلة في سائر العبادات التي يفعلها المتمسكون بالتوراة لأنها رأس العبادات وأعظمها وعماد الدين وناهية عن الفحشاء والمنكر وكان ذلك وجهاً لتخصيصها بالذكر، وقيل لأنها تقام في أوقات مخصوصة والتمسك بالكتاب مستمر فذكرت لهذا وفيه نظر، فإن كل عبادة في الغالب تختص بوقت معين (إنا لا نضيع أجر المصلحين) الجملة خبر الذين وفيه وضع الظاهر موضع المضمر.

الصفحة 67