كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171) وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)
(وإذ) أي اسألهم إذ والغرض من هذا إلزام اليهود والرد عليهم في قولهم: إن بني إسرائيل لم يصدر منهم مخالفة في الحق (نتقنا) النتق اختلفت فيه عبارات أهل اللغة فقال أبو عبيدة: هو قلع الشيء من موضعه والرمي به ومنه نتق ما في الجراب إذا نفضه فرمى ما فيه، وامرأة ناتق ومنتاق إذا كانت كثيرة الولادة، وفي الحديث: " عليكم بزواج الأبكار فإنهن أنتق أرحاماً وأطيب أفواهاً، وأرضى باليسير " (¬1)، وقيل النتق الجذب بشدة ومنه نتقت السقاء إذا جذبته بشدة لتقلع الزبدة من فمه، وقال الفراء: هو الرفع، وقال ابن قتيبة هو الزعزعة وبه فسر مجاهد.
وكل هذه معان متقاربة أي رفعنا (الجبل) من أصله وهو الطور الذي سمع موسى عليه كلام ربه وأعطي الألواح وقيل هو جبل من جبال فلسطين وقيل هو الجبل عند بيت المقدس وكان ارتفاعه على قدر قامتهم، فكان محاذياً لرؤوسهم كالسقيفة (فوقهم كأنه) لارتفاعه (ظلة) أي سحابة تظلهم وهي اسم لكل ما أظل، وقال البيضاوي: كأنه سقيفة وهي كل ما أظلك وقرىء طلة بالطاء من أطل عليه إذا أشرف.
(وظنوا) قيل الظن هنا بمعنى العلم وقيل هو على بابه (أنه) أي الجبل (واقع بهم) أي ساقط عليهم (خذوا) أي قلنا لهم خذوا (ما آتيناكم بقوة) هي الجد والعزيمة أي أخذاً كائناً بقوة واجتهاد، قال ابن عباس: أي خذوا ما
¬_________
(¬1) صحيح الجامع الصغير 3932.

الصفحة 68