كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين وبه قال الشيخ أبو منصور والزجاج والزمخشري.
وقيل المعنى أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد وأنه جعل فيها من المعرفة ما فهمت به خطابه سبحانه، وقيل المراد ببني آدم هنا نفسه كما وقع في غير هذا الموضع، والمعنى أن الله سبحانه لما خلق آدم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته وأخذ عليهم العهد وهؤلاء هم عالم الذر وهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه ولا المصير إلى غيره لثبوته مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وموقوفاً على غير واحد من الصحابة ولا ملجئ للمصير إلى المجاز، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل.
وقد ذكر البيضاوي والنسفي القولين وكذا الرازي وأبو السعود وغيرهما من المفسرين الذين مستهم الفلسفة، والحق ما ذكرناه وإليه ذهب جمهور المفسرين.
وقد أخرج مالك في الموطأ وأحمد في المسند وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في الاسماء والصفات والضياء في المختارة عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عنها فقال: إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال

الصفحة 70