كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

(ساء مثلاً) هذه الجملة متضمنة لبيان حال هؤلاء القوم البالغة في القبح إلى الغاية يقال ساء الشيء قبح فهو لازم وساءه يسوءه مساءة فهو متعد وهو من أفعال الذم كبئس والمخصوص بالذم (القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون) أي ما ظلموا بالتكذيب إلا أنفسهم لا يتعداها ظلمهم إلى غيرها ولا يتجاوزها، وقيل المعنى أنهم جمعوا بين التكذيب بآيات الله وظلم أنفسهم وهذا أفيد.
(من يهدي الله) أي يرشده إلى دينه أو يتول هدايته (فهو المهتدي) لما أمر به وشرعه لعباده (ومن يضلل) أي يتول ضلالته (فأولئك هم الخاسرون) الكاملون في الخسران من هداه فلا مضل له ومن أضله فلا هادي له ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.
أخرج مسلم والنسائي وابن ماجة وابن مردوية والبيهقي في الأسماء والصفات عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، أصدق الحديث كتاب الله وأحسن الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ثم يقول بعثت أنا والساعة كهاتين (¬1).
فلو كان الهدى من الله البيان كما قالت المعتزلة لاستوى الكافر والمؤمن إذ البيان ثابت في حقهما فدل أنه من الله التوفيق والعصمة والمعونة ولو كان ذلك للكافر لاهتدى كما اهتدى المؤمن.
¬_________
(¬1) مسلم/867.

الصفحة 81