كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن (اسم الجزء: 5)

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)
(ولقد ذرأنا لجهنم) أي خلقنا للتعذيب بها خلقاً (كثيراً من) طائفتي (الجن والإنس) جعلهم سبحانه للنار بعدله وبعمل أهلها يعملون وقد علم ما هم عاملون قبل كونهم كما ثبت في الأحاديث الصحيحة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن النجار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله لما ذرأ لجهنم من ذرأ كان ولد الزنا ممن ذرأ لجهنم، وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم (¬1)، أخرجه مسلم.
(لهم قلوب لا يفقهون بها) شيئاً من أمور الآخرة، جعل سبحانه قلوبهم لما كانت غير فاقهة لما فيه نفعهم ورشادهم غير فاقهة مطلقاً، وإن كانت تفقه في غير ما فيه النفع والرشاد فهو كالعدم والفقه في اللغة الفهم والعلم بالشيء يقال فقه الرجل فهو فقيه إذا فهم، وهكذا معنى (ولهم أعين لا يبصرون بها) طريق الهدى والحق (ولهم آذان لا يسمعون بها) الحق فإن الذي انتفى من الأعين هو إبصار ما فيه الهداية بالتفكر والاعتبار وإن كانت مبصرة في غير ذلك، والذي انتفى من الآذان هو سماع المواعظ النافعة والشرائع التي اشتملت عليها الكتب المنزلة وما جاءت به رسل الله عليهم الصلاة والسلام وإن كانوا يسمعون غير ذلك.
¬_________
(¬1) مسلم/2662.

الصفحة 82