كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 5)

مِنَ الْإِضَافَةِ (إِنْ أَبَوْا) أَيْ إِنِ امْتَنَعُوا مِنَ الْإِضَافَةِ وَأَدَاءِ مَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ (إِلَّا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ جَبْرًا (فَخُذُوا) أَيْ كَرْهًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ
وَأَمَّا الْيَوْمَ فَأَرْزَاقُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ
وَقَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ أَكْثَرُهُمْ إِنَّهُ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ جَائِزَتَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ الْحَدِيثَ قَالُوا والجائزة تفضل لا واجب
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ هُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا شَرَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بِزَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ أَوْ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يقم ها هنا دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحُكْمِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضِّيَافَةِ بَعْدَ شِرْعَتِهَا قَدْ صَارَتْ لَازِمَةً لِلْمُضِيفِ لِكُلِّ نَازِلٍ عَلَيْهِ فَلِلنَّازِلِ الْمُطَالَبَةُ بِهَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا كَالْمُطَالَبَةِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ بِإِهْمَالِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ مُكَافَأَةٌ بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) انْتَهَى
قُلْتُ كَمَا أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَخْصِيصِهِ بِزَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفٌ كَذَلِكَ تَأْوِيلَاتُهُ الْأُخْرَى الَّتِي تَأَوَّلُوهُ بِهَا ضَعِيفَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ حَمَلَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ وَثَانِيهَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً فَلَمَّا أُشِيعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الَّذِي ادعاه المؤول لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى
قُلْتُ التَّأْوِيلُ الثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا أَبْعَدَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ انْتَهَى
وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ أَلَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُفَسَّرُ قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ فَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

الصفحة 177