كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 5)

فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ وَصِفَتَهُ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَبْحِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ بِنَصْبِ الذَّكَاتَيْنِ أَيْ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ انْتَهَى
قُلْتُ نَعَمْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ هُوَ الرَّفْعُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ فِيهِمَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْحَضَهُ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ انْتَهَى
قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلَهُ قَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ جَوَازِ أَكْلِ الْجَنِينِ إِذَا ذُكِّيَتْ أُمُّهُ وَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ لِلْجَنِينِ ذَكَاةٌ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى أَكْلَ الْجَنِينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْجَنِينَ يُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ
وَهَذِهِ الْقِصَّةُ (يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ) تُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَتَدْحَضُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى النِّيَابَةِ عَنْهَا انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا لَا يُغْنِي شَيْئًا فَقَالُوا الْمُرَادُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ
وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ بِلَفْظِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَرُوِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ انْتَهَى
وَاسْتَدَلَّ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِعُمُومِ قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة)
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَنِينَ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ دَاخِلَةٍ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ
اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ قَدْ أَشْعَرَ احْتَجَّ بِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
وَأَيْضًا قَدْ رُوِيَ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى مَرْفُوعًا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ وَفِيهِ ضَعْفٌ
وَأَيْضًا قد روى من طريق بن عُمَرَ نَفْسِهِ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ قَالَ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ كَذَا فِي النَّيْلِ
وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَلِتَعَارُضِهِمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِمَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ مُطْلَقًا
وَمَالِكٌ أَلْغَى الثَّانِيَ لِضَعْفِهِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْمَوْقُوفِ فَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ انْتَهَى

الصفحة 43