كتاب تحفة الأحوذي (اسم الجزء: 5)

التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهَا فِي شَيْءٍ
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَلْحَقُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِثْلُ التَّطَيُّبِ وَالتَّكَحُّلِ وَسَائِرِ وجود الِاسْتِعْمَالَاتِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
قُلْتُ وَقَدْ أَجَازَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَالْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ اسْتِعْمَالَ الْأَوَانِي مِنَ الْفِضَّةِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَالتَّطَيُّبِ وَالتَّكَحُّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْأَمِيرُ فِي السُّبُلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصِحَافِهِمَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِنَاءُ خَالِصًا ذَهَبًا أَوْ مَخْلُوطًا بِالْفِضَّةِ إِذْ هُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ أَنَّهُ إِنَاءُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ وَهَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا ذُكِرَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِيهَا الْخِلَافُ مِنْ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ قِيلَ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقِيلَ تَحْرُمُ سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتُ إِجْمَاعًا وَنَازَعَ فِي الْأَخِيرِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ النَّصُّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا غَيْرُ وَإِلْحَاقُ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِهِمَا قِيَاسًا لَا يَتِمُّ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِمَا إِذْ هُوَ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ مُخْتَصَرًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَأَمَّا سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتِ فَلَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ هِيَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَّةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَذَلِكَ مَنَاطٌ مُعْتَبَرٌ لِلشَّارِعِ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ لَمَّا رَأَى رَجُلًا مُتَخَتِّمًا بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ
أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَكَذَلِكَ فِي الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ التَّحَلِّي بِالْحُلِيِّ وَالِافْتِرَاشِ لِلْحَرِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْبَعْضُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ وَلَا دَلِيلَ في المقام بهذ الصِّفَةِ فَالْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُعْتَضِدِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ هُوَ وَظِيفَةُ الْمُنْصِفِ الَّذِي لَمْ يُخْبَطْ بِسَوْطِ هَيْبَةِ الْجُمْهُورِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَيَّدَ هَذَا الْأَصْلَ حَدِيثُ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَلَفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ جَاءَتْ بِجُلْجُلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّه فَخَضْخَضَتِ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ بِاخْتِصَارٍ
قُلْتُ أَثَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي اسْتِعْمَالِهَا الْجُلْجُلَ مِنَ الْفِضَّةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَجَاءَتْ بِجُلْجُلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شعر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا بِإِنَاءٍ فَخَضْخَضَتْ لَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ فَاضْطَلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا
قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ

الصفحة 510