كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الرعد 16 وجل وانقيادَهم لإحداث ما أراده فيهم من أحكام التكوين والإعدام شاءوا أو أبَوا وعدمُ مداخلةِ حكمِ غيره بل غيرِ حكمِه تعالى في تلك الشئون مما لا يخفى على أحد {وظلالهم} أي وتنقاد له تعالى ظلالُ مَنْ له ظلٌ منهم أعني الإنسَ حيث تتصرف على مشيئته وتتأتّى لإرادته في الامتداد والتقلّص والفيء والزوال {بالغدو والآصال} ظرف السجود المقدّر أو حالٌ من الظلال وتخصيص الوقتين بالذكرمع أن انقيادها متحققٌ في جميع أوقات وجودِها لظهور ذلك فيهما والغدو جميع غَداة كفتيّ في جمع فتاة والآصالُ جمع أصيل وقيل جمع أُصُل وهو جمعُ أَصيلٍ وهو ما بين العصر والمغربِ وقيل الغدوّ مصدرٌ ويؤيده أنه قرىء والإيصالِ أي الدخول في الأصيل هذا وقد قيلَ إنَّ المرادَ حقيقةُ السجود فإن الكفرة حال الاضطرارِ وهو المعنيُّ بقوله تعالى وَكَرْهًا يخُصّون السجودَ به سبحانه قال تعالى فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ولا يبعُد أنْ يخلُق الله تعالى في الظلال أفهاماً وعقولاً بها تسجُد لله سبحانه كما خلقها للجبال حتى اشتغلت بالتسبيح وظهر فيها آثارُ التجلّي كما قاله ابن الأنباري ويجوز أن يراد بسجودها ما يشاهَد فيها من هيئة السجود تبعاً لأصحابها وأنت خبير بأن اختصاصَ سجودِ الكافر حالة الضرورةِ والشدة بالله سبحانه لا يُجدي فإن سجودَهم لأصنامهم حالة الرخاء تخل بالقصر المستفادِ من تقديم الجار والمجرور فالوجهُ حملُ السجودِ على الانقياد ولأن تحقيقَ انقيادِ الكل في الإبداع والإعدامِ له تعالى أدخلُ في التوبيخ على اتخاذ أولياءَ من دونه من تحقيق سجودِهم له تعالى وتخصيصُ انقيادِ العقلاءِ بالذكر مع كون غيرِهم أيضاً كذلك لأنهم العُمدة وانقيادهم دليل انقيادُ غيرهم على أنه بين ذلك بقوله عز وجل
{قل من رب السماوات والأرض} فإنه لتحقيق أن خالقَهما ومتولّيَ أمرهما مع ما فيهما على الإطلاق هو الله سبحانه وقوله تعالى {قُلِ الله} أمرٌ بالجواب من قبله صلى الله عليه وسلم إشعاراً بأنه متعيِّن للجوابية فهو والخصمُ في تقريره سواءٌ أو أمرٌ بحكاية اعترافِهم إيذاناً بأنه أمرٌ لا بد لهم من ذلك كأنه قيل احْكِ اعترافَهم فبكِّتْهم بما يلزمهم من الحجة وألقِمْهم الحجَر أو أمرٌ بتلقينهم ذلك إن تلعثموا في الجواب حذراً من الإلزام فإنهم لا يتمالكون إذ ذاك ولا يقدرون على إنكاره {قُلْ} إلزاماً لهم وتبكيتاً {أفاتخذتم} لأنفسكم والهمزةُ لإنكارِ الواقعِ كَما في قولك أضربتَ أباك لا لإنكار الوقوعِ كما في قولك أضربتَ أبي والفاء للعطف على مقدر بعد الهمزةِ أي أعلمتم أن ربهما هو الله الذي ينقاد لأمره مَنْ فيهما كافةً فاتخذتم عَقيبَه {مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء} عاجزين {لاَ يَمْلِكُونَ لانْفُسِهِمْ نَفْعًا} يستجلبونه {وَلاَ ضَرّا} يدفعونه عن أنفسهم فضلاً عن القدرة على جلب النفعِ لغيره ودفع الضررِ عنه لا على الإنكارُ متوجِّهاً إلى المعطوفَين معاً كما في قولِهِ تعالى {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إذا قُدّر المعطوفُ عليه ألا تسمعون بل إلى ترتب الثاني على الأول مع

الصفحة 12