كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الإسراء 39 40 وكروها بدلٌ من سيئةً أو صفةٌ لها محمولةٌ على المعنى فإنه بمعنى سيئاً وقد قرئ به أو مُجرى على موصوفٍ مذكرٍ أي أمراً مكروهاً أو مُجرى مَجرى الأسماءِ زال عنه معنى الوصفية ويجوزُ كونُه حالاً من المستكنِّ في كان أو في الظرف على أنه صفة سيئة وقرئ سيئاته وقرئ شأنُه
{ذلك} أي الذي تقدم من التكاليف المفصلة {مِمَّا أوحى إِلَيْكَ رَبُّكَ} أي بعضٌ منه أو من جنسه {مِنَ الحكمة} التي هي علمُ الشرائعِ أو معرفةُ الحق لذاته والعملُ به أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخُ والفساد وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الآياتِ الثمانيَ عشرةَ كانت في ألواحُ مُوسى عليهِ السَّلامُ أولها لاَّ تَجْعَل مَعَ الله إلها آخر قال تعالى وَكَتَبْنَا لَهُ فِى الالواح مِن كُلّ شَىْء مَّوْعِظَةً وهي عشرُ آيات في التوراة ومِنْ إما متعلقةٌ بأوحى على أنها تبعيضية أو ابتدائيةٌ وإما بمحذوفٍ وقعَ حالاً من الموصول أو من ضميره المحذوفِ في الصلة أي كائناً من الحِكمة وإما بدلٌ من الموصول بإعادة الجار ( {وَلاَ تَجْعَلْ مع الله إلها آخر} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمراد غيرُه ممن يتصور منه صدورُ المنهيِّ عنه وقد كُرر للتنبيه على أن التوحيد مبدأُ الأمرِ ومنتهاه وأنه رأسُ كل حكمةٍ وملاكُها ومن عدمِه لم ينفعه علومه وحكمه وإن بذفيها أساطينَ الحكماء وحكّ بيافوخه عنان السماء وقد رتب عليه ما هو عائدة الإشراك أو لا حيث قيل فتقعدَ مذموماً مخذولا ورتب عليه ههنا نتيجتُه في العقبى فقيل {فتلقى فِى جَهَنَّمَ مَلُومًا} من جهة نفسِك ومن جهة غيرك {مَّدْحُورًا} مبعَداً من رحمة الله تعالى وفي إيراد الإلقاء مبينا للمفعول جري على سنن الكبرياء وازدراءٌ بالمشرك وجعلٌ له من قبيل خشبةٍ يأخذها آخذٌ بكفه فيطرحها في التنور
{أفأصفاكم رَبُّكُم بالبنين واتخذ من الملائكة إِنَاثًا} خطاب للقائلين بأنَّ الملائكةَ بناتُ الله سبحانه والإصفاءُ بالشيء جعلُه خالصاً والهمزةُ للإنكار والفاء للعطف على مقدر يفسرّه المذكورُ أي أفَضَّلكم على جنابه فخصّكم بأفضل الأولاد على وجه الخُلوص وآثرَ لذاته أخسَّها وأدناها كما في قوله سبحانه أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الانثى وقوله تعالى {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} وقد قصد ههنا بالتعرض لعنوان الربوبية تشديدُ النكير وتأكيدُه وأشير بذكر الملائكة عليهم السلام وإيرادِ الإناث مكانَ البنات إلى كفْرة لهم أخرى وهي وصفُهم لهم عليهم السلام بالأنوثة التي هي أخسُّ صفات الحيوان كقوله تعالى وجعلوا الملائكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ} بمقتضى مذهبِكم الباطلِ الذي هو إضافةُ الولدِ إليه سبحانه {قَوْلاً عَظِيمًا} لا يقادَر قدرُه في استتباعِ الإثمِ وخَرْقِه لقضايا العقول بحيث لا يجترئ عليه أحدٌ حيث يجعلونه تعالى من قبيل الأجسامِ المتجانسةِ السريعةِ الزوال وليس كمثله شيء وهو الواحد القهارُ الباقي بذاته ثم تضيفون إليه ما تكرهون من أخس الأولادِ وتفضِّلون عليه أنفسَكم بالبنين ثم تصِفون الملائكةَ الذين هم من أشرف الخلائقِ بالأنوثة التي هي أخسُّ أوصاف الحيوان فيالها

الصفحة 173