كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الرعد 24 25 خبرُه {يَدْخُلُونَهَا} والعدْنُ الإقامةُ ثم صار علماً لجنة من الجنات أي جناتٌ يقيمون فيها وقيل هو بُطنانُ الجنة {وَمَنْ صَلَحَ من آبائهم} جمعُ أبَوَيْ كل واحد منهم فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم {وأزواجهم} وذرياتهم وهو عطفٌ على المرفوع في يدخلون وإنما ساغ ذلك للفصل بالضمير الآخر أو مفعولٌ معه والمعنى إنه يُلحق بهم مَنْ صلح من أهلهم وإن لم يبلُغْ مبلغَ فضلِهم تبعاً لهم تعظيماً لشأنهم وهو دليلٌ على أن الدرجةَ تعلو بالشفاعة وأن الموصوفَ بتلك الصفات يُقرن بعضُهم ببعض لما بينهم من القرابة والوصلة في دخول الجنةِ زيادةً في أُنسهم وفي التقييد بالصلاح قطعٌ للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب {والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ} من أبوابِ المنازل أو من أبواب الفتوحِ والتحف قائلين
{سلام عَلَيْكُم} بشارةٌ لهم بدوام السلامة {بِمَا صَبَرْتُمْ} متعلق بعليكم أو بمحذوف أي هذه الكرامةُ العظمى بما صبرتم أي بسبب صبركم أو بدلُ ما احتملتم من مشاقّ الصبرِ ومتاعبِه والمعنى لئن تعِبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعةَ وتخصيصُ الصبر بما ذكر من بين الصلاتِ السابقةِ لما قدّمناه من أن له دخلاً في كل منها ومزيةً زائدةً من حيث إنه مَلاكُ الأمرِ في كل منها وأن شيئاً منها لا يعتد به إلا بأن يكون لابتغاء وجهِ الربّ تعالى وتقدس {فَنِعْمَ عقبى الدار} أي فنعم عقبي الدارِ الجنةُ وقرىء بفتح النون والأصل نَعَم فسُكّن العين بنقل حركتها إلى النون تارة وبدونه أخرى وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أنه كان يأتي قبورَ الشهداء على رأس كلّ حولٍ فيقول سلامٌ عليكم بما صبرتُم فنَعِمَ عُقبى الدَّارِ وكذا عن الخلفاء الأربعةِ رضوانُ الله عليهم أجمعين
{والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله} أريد بهم مَنْ يقابل الأولين ويعاندهم في الاتصاف بنقائض صفاتِهم {مِن بَعْدِ ميثاقه} من بعد ما أوثقوه من الاعتراف والقَبول {وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ} من الأيمان بجميع الأنبياءِ المجمعين على الحق حيث يؤمنون ببعضهم ويكفرون ببعضهم ومن حقوق الأرحام وموالاةِ المؤمنين وغير ذلك مما لا يراعون حقوقَه من الأمور المعدودةِ فيما سلف وإنما لم يتعرّض لنفي الخشيةِ والخوفِ عنهم صريحاً لِدلالة النقضِ والقطع على ذلك وأما عدمُ التعرض لنفي الصبرِ المذكور فلأنه إنما اعتبر تحققُه في ضمن الحسناتِ المعدودةِ ليقَعْنَ معتدًّا بهن فلا وجه لنفيه عمّن بينه وبين الحسناتِ بعدُ المشرِقين كما لا وجه لنفي الصلاةِ والزكاة ممن لا يحوم حول أصلِ الإيمان بالله تعالى فضلاً عن فروع الشرائعِ وإن أريد بالإنفاق التطوعُ فنفيُه مندرجٌ تحت قطعِ ما أمر الله تعالى بوصله وأما درءُ السيئة بالحسنة فانتفاؤه عنهم ظاهرٌ مما سبق ولحِق فإن من يجازى إحسانه عز وجل بنقض العهد ومخالفةِ الأمر ويباشر الفساد بدأ حسبما يَحكيه قوله تعالى عز وعلا {وَيُفْسِدُونَ فِى الأرض} أي بالظلم وتهيج الفتنِ كيف يتصور منه مجازاةُ الإساءة بالإحسان على أن يُشعر بأن له دخلاً في الإفضاء إلى

الصفحة 18