كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الإسراء 67 69 عند مِساسِ الضرِّ تكملةً لما مرَّ من قولِه تعالى فَلاَ يَمْلِكُونَ الآية (إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ) أزلاً وأبداً (رَّحِيماً) حيث هيأ لكُم ما تحتاجونَ إليهِ وسهّل عليكم ما يعسُر من مباديه وهذا تذييلٌ فيه تعليلٌ لما سبق من الإزجاء لابتغاء الفضلِ وصيغةُ الرحيم للدِلالة على أن المرادَ بالرحمة الرحمةُ الدنيويةُ والنعمةُ العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة
(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِى البحر) خوفَ الغرقِ فيه (ضَلَّ مَن تَدْعُونَ) أي ذهب عن خواطركم ما كنتم تدعون من دون اله من الملائكة أو المسيحِ أو غيرهم (إِلاَّ إِيَّاهُ) وحده من غير أن يخطُر ببالكم أحدٌ منهم وتدعوه لكشفه استقلالاً أو اشتراكاً أو ضل كلُّ مَنْ تدعونه عن إغاثتكم وإنقاذِكم ولم يقدِر على ذلكَ إلا الله على الاستثناء المنقطع (فَلَمَّا نجاكم) من الغرق وأوصلكم (إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ) عن التوحيد أو اتسعتم في كُفران النعمة (وَكَانَ الإنسان كَفُورًا) تعليلٌ لما سبق من الإعراض
(أَفَأَمِنتُمْ) الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم (أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر) الذي هو مأمنُكم أي يقلِبه ملتبساً بكم أو بسبب كونِكم فيه وفي زيادة الجانبِ تنبيهٌ على تساوي الجوانب والجهاتِ بالنسبة إلى قدرته سبحانه وتعالى وقهرِه وسلطانه وقرئ بنون العظمة (أَوْ يُرْسِلَ عليكم) من فوقكم وقرئ بالنون (حاصبا) ريحاً ترمي بالحصباء (ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً) يحفظكم من ذلك أو يصرِفه عنكم فإنه لا رادَّ لأمره الغالب
(أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فيها) في البحر أو ثرت كلمةُ في على كلمة إلى المنبئة عن مجرد الانتهاء للدِلالة على استقرارهم فيه (تَارَةً أخرى) إسنادُ لإعادة إليه تعالى مع أن العود إليه بإختبارهم باعتبار خلقِ الدواعي الملجئةِ لهم إلى ذلك وفيه إيماءٌ إلى كمال شدةِ هول ما لا قوة في التارة الأولى بحيث لولا الإعادةُ لما عادوا (فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ) وأنتم في البحر وقرئ بالنون (قَاصِفًا مّنَ الريح) وهي التي لا تمر بشيء إلا كسرَتْه وجعلتْه كالرميم أو التي لها قصيفٌ وهو الصوتُ الشديد كأنها تتقصّف أي تتكسر (فَيُغْرِقَكُم) بعد كسر فُلْكِكم كما ينبئ عنه عنوان القصف وقرئ بالنون وبالتاء على الإسنادِ إلى ضميرِ الريح (بِمَا كَفَرْتُمْ) بسبب إشراكِكم أو كفرانِكم لنعمة الإنجاء (ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) أي ثائراً يطالبنا بما فعلنا انتصاراً منا ودَرْكاً للثأر من جهتنا كقوله سبحانه وَلاَ يخاف عقباها

الصفحة 185