كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الإسراء 101 102 بالإنفاق إذ ليس في الدنيا أحدٌ إلا وهو يختار النفعَ لنفسه ولو آثر غيرَه بشيء فإنما يُؤثره لِعَوض يفوقه فإذن هو بخيلٌ بالإضافة إلى جودِ الله سبحانه {وَكَانَ الإنسان قَتُورًا} مبالغاً في البخل لأن مبْنى أمرِه على الحاجة والضِّنّة بما يحتاج إليه وملاحظةِ العِوضِ بما يبذله
{ولقد آتينا موسى تسع آيات بَيّنَاتٍ} واضحاتِ الدِلالة على نبوته وصِحّةِ ما جَاء بهِ من عند الله وهي العَصا واليدُ والجَرادُ والقُمّل والضفادعُ والدمُ والطوفانُ والسّنونَ ونقصُ الثمرات وقيل انفجارُ الماء من الحجر ونتْقُ الطورِ على بني إسرائيلَ وانفلاقُ البحرِ بدل الثلاث الأخيرة ويأباه أن هذه الثلاثَ لم تكن منزلةً إذ ذاك وأن الأولَين لا تعلقَ لهما بفرعون وإنما أوتيهما بنو اسرائيل عن صفوانَ بن عسّال أن يهوديا سأل النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم عنها فقال أَن لا تُشْرِكُواْ بِهِ شيئاً ولا تسرِقوا ولا تزنوا ولا تقتُلوا النفس التى حَرَّمَ الله إلا بالحق ولا تسحرَوا ولا تأكُلوا الربا ولا تمشوا ببرئ إلى ذي سلطان ليقتُله ولا تقذِفوا مُحصنةً ولا تفِرّوا من الزحف وعليكم خاصّةَ اليهودِ أن لا تعْدوا في السبت فقبّل اليهودي يده ورجله صلى الله عليه وسلم ولا يساعده أيضاً ما ذكر ولعل جوابه صلى الله عليه وسلم بذلك لما أنه المُهم للسائل وقبولُه لما أنه كان في التوارة مسطوراً وقد علِم أنه ما علمه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا من جهة الوحي {فاسأل بني إسرائيل} وقرئ فسَلْ أي فقلنا له سلْهم من فرعون وقل له أرسلْ معيَ بني إسرائيلَ أو سلهم عن إيمانهم أو عن حال دينِهم أو سلْهم أن يعاضدوك ويؤيده قراءةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم على صيغة الماضي وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي فاسألهم عن تلك الآياتِ لتزدادَ يقيناً وطُمَأْنينةً أو ليظهر صِدقُك {إِذْ جَاءهُمُ} متعلق بقلنا وبسأل على القراءة المذكورة وبآياتنا أو بمضمر هو يخبروك أو اذكر على تقدير كونِ الخطابِ للرسول صلى الله عليه وسلم (فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ) الفاءُ فصيحةٌ أي فأظهرَ عند فرعون ما آتيناه من الآيات البيناتِ وبلّغه ما أُرسل به فقال له فرعون
{إني لأظنك يا موسى مَّسْحُورًا} سُحرْت فتخبّط عقلك {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء} يعني الآياتِ التي أظهرها {إِلاَّ رَبُّ السماوات والأرض} ) خالقُهما ومدبرُهما والتعرّضُ لربوبيته تعالى لهما للإيذان بأنه لا يقدِر على إيتاء مثلِ هاتيك الآياتِ العظامِ إلا خالقُهما ومدبّرهما {بَصَائِرَ} حالٌ من الآيات أي بيناتٍ مكشوفاتٍ تُبصّرك صدقي ولكنك تعاند وتكابر نحوُ وَجَحَدُواْ بِهَا واستيقنتها أَنفُسُهُمْ ومن ضرورة ذلك العلم العلم بأنه صلى الله عليه وسلم على كمال رصانةِ العقلِ فضلاً عن توهم المسحورية وقرئ علمتُ على صيغة التكلمِ أي لقد علمتُ بيقين أن هذه الآياتِ الباهرةَ أنزلها الله عز سلطانه فكيف يُتوهم أن يحومَ حولي سحر {وَإِنّى لاظُنُّكَ يا فرعون مَثْبُورًا} ) مصروفاً عن الخير مطبوعاً على الشر من قولهم ما ثبَرك عن هذا أي ما صرفك أو هالكاً ولقد قارع صلى الله عليه وسلم ظنَّه بظنه وشتان بينهما كيف لا وظنُّ فرعونَ

الصفحة 198