كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الإسراء 103 107 إنك مبين وظنه صلى الله عليه وسلم يتاخم اليقين
(فَأَرَادَ) أي فرعون (أَن يَسْتَفِزَّهُم) أي يستخِفَّهم ويُزعجَهم {مّنَ الأرض} أرضِ مصرَ أو من الأرض مطلقاً بالقتل كقوله سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ {فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ جَمِيعًا} فعكسنا عليه مكرَه واستفززناه وقومَه بالإغراق
{وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ} من بعد إغراقهم {لبني إسرائيل اسكنوا الأرض} التي أراد أن يستفزّكم منها {فَإِذَا جَاء وَعْدُ الأخرة} الكرةُ الآخرةُ أو الحياةُ أو الساعةُ والدارُ الآخرة أي قيامُ القيامة {جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} مختلطين إياكم وإياهم ثم نحكُم بينكم ونميز سعداءكم من أشقيائكم اللفيف الجماعاتُ من قبائلَ شتى
{وبالحق أَنْزَلْنَاهُ وبالحق نَزَلَ} ) أي وما أنزلنا القرآنَ إلا ملتبساً بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبساً بالحق الذي اشتمل عليه أو ما أنزلناه من السماء إلا محفوظاً وما نزل على الرسول إلا محفوظاً من تخليط الشياطينِ ولعل المرادَ بيانُ عدم اعتراءِ البطلان له أولَ الأمرَ وآخرَه {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشّرًا} للمطيع بالثواب {وَنَذِيرًا} للعاصي من العقاب وهو تحقيقٌ لحقية بعثته صلى الله عليه وسلم إثرَ تحقيقِ حقية إنزالِ القرآن
{وقرآنا} منصوب بمضمر يفسره قوله تعالى {فرقناه} وقرئ بالتشديد دَلالةً على كثرة نجومِه {لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ} على مَهل وتثبُّتٍ فإنه أيسرُ للحفظ وأعون على الفهم وقرئ بالفتح وهو لغة فيه {ونزلناه تَنْزِيلاً} حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحة ويقع من الحوادث والواقعات
{قل} للذين كفروا {آمنوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ} فإن إيمانَكم به لا يزيده كمالاً وامتناعَكم لا يورثه نقصاً {إِنَّ الذين أُوتُواْ العلم مِن قَبْلِهِ} أي العلماء الذين قرءوا الكتبَ السالفةَ من قبل تنزيلِه وعرَفوا حقيقةَ الوحي وأماراتِ النبوةِ وتمكّنوا من التمييز بين الحقِّ والباطلِ والمُحقِّ والمبطلِ ورأوا فيها نعتَك ونعتَ ما أنزل إليك (إِذَا يتلى) أي القرآنُ {عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ} أي يسقطون على وجوههم {سُجَّدًا} تعظيماً لأمر الله تعالى أو شكراً لإنجاز ما وعد به في تلك الكتبِ من بعثتك وتخصيصُ الأذقانِ بالذكر للدِلالة على كمال التذللِ إذ حينئذ يتحقق الخُرور عليها وإيثارُ اللام للدِلالة على اختصاص الخُرور بها كما في قوله [فخرَّ صريعاً لليدين وللفمِ] وهو تعليلٌ لما يُفهم من قولِه تعالَى آمنوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ من عدم المبالاة بذلك أي إن لم تؤمنوا به فقد آمن به أحسنَ إيمانٍ مَنْ هو خيرٌ منكم ويجوز أن يكون تعليلاً لقُلْ على سبيل التسليةِ لرسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه قيل تسلَّ بإيمان العلماءِ عن إيمان الجهلةِ ولا تكترث بإيمانهم وإعراضِهم

الصفحة 199