كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الكهف 23 الضميرُ في الأفعال الثلاثة للخائضين في قصتهم في عهد النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم من أهل الكتابِ والمسلمين لكنْ لا على وجهِ إسنادِ كلَ منها إلى كلهم بل إلى بعضهم {ثلاثة رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} أي هم ثلاثةُ أشخاص رابعُهم أيْ جاعلُهم أربعةً بانضمامه إليهم كلبُهم قيل قالته اليهودُ وقيل قاله السيد من نصارى نَجرانَ وكان يعقوبيا وقرئ ثلاةٌ بإدغام الثاء في التاء {وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ} قيل قالتْه النصارى أو العاقبُ منهم وكان نِسْطورياً {رَجْماً بالغيب} رمياً بالخبر الخفيِّ الذي لا مُطَّلَعَ عليه أو ظنًّا بالغيب من قولهم رجَمَ بالظن إذا ظن وانتصابُه عَلى الحاليةِ من الضمير في الفعلين جميعاً أي راجمين أو على المصدرية منهما فإن الرجْمَ والقولَ واحد أو من محذوف مستأنَفٍ واقعٍ موقعَ الحال من ضمير الفعلين معاً أي يرجُمون رجماً وعدم إيرادِ السينِ للاكتفاء بعطفه على ما فيه ذلك {وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} هو ما يقوله المسلمون بطريق التلقي من هذا الوحي وما فيه مما يرشدهم إلى ذلك من عدم نظمِه في سلك الرجْمِ بالغيب وتغييرُ سبكه بزيادة الواو المفيدةِ لزيادة وكادةِ النسبة فيما بين طرفيها لا بوحي آخرَ كما قيل {قُلْ} تحقيقاً للحق وردًّا على الأولين {رَّبّى أَعْلَمُ} أي أقوى علماً {بِعِدَّتِهِم} بعددهم {مَّا يَعْلَمُهُمْ} أي ما يعلم عِدّتهم أو ما يعلمهم فضلاً عن العلم بعِدتهم {إِلاَّ قَلِيلٌ} من الناس قد وفقهم الله تعالى للاستشهاد بتلك الشواهد قال ابن عباس رضي الله عنه حين وقعت الواو وانقطعت العِدّةُ وعليه مدارُ قوله رضي الله عنه أنا من ذلك القليل ولو كان في ذلك وحيٌ آخرُ لما خفيَ عليه ولما احتاج إلى الاستشهاد بالواو ولكان المسلمون أسوةً له في العلم بذلك وعن عليٌّ كرم الله وجهه أنهم سبعةُ نفر أسماؤهم بمليخا ومكشليينا ومشليينا هؤلاء أصحابُ يمينِ الملكِ وكان عن يساره مرنوش ودبرنو وشاذنوش وكان يستشير هؤلاء الستةَ في أمره والسابعُ الراعي الذي وافقهم حين هربوا من ملكهم دقيانوس واسمه كفيشططيوش {فَلاَ تُمَارِ} الفاءُ لتفريع النَّهيِ على ما قبله أي إذ قد عرفتَ جهل أصحاب القولين الأولين فلا تجادلهم {فِيهِمْ} في شأن الفتية {إِلاَّ مِرَآء ظاهرا} قدرَ ما تعرّض له الوحيُ من وصفهم بالرجم بالغيب وعدمِ العلم على الوجه الإجمالي وتفويضِ العلم إلى الله سبحانه من غير تصريحٍ بجهلهم وتفضيح لهم فإنه مما يُخِلُّ بمكارم الأخلاق {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ} في شأنهم {مِنْهُمْ} من الخائضين {أَحَدًا} فإن فيما قُص عليك لمندوحةً عن ذلكَ مع أنَّه لا علمَ لهم بذلك وقال عطاء إلا قليلٌ من أهل الكتابِ فالضمائرُ الثلاثة في الأفعال الثلاثةِ لهم وما ذكر من الشواهد لإرشاد المؤمنين إلى صحة القولِ الثالثِ وفيه محيصٌ عَّما في الأولِ من التكلف في جعل أحدِ الأقوالِ المحكية المنظومةِ في سِمْط واحدٍ ناشئاً عن الحكاية مع كون الأخيرين بخلافه ووضوحٌ في سبب حذف المفعولِ في لا تُمار والمعنى حينئذ وإذ قد وقفتَ على أن كلَّهم ليسوا على خطأ في ذلك فلا تجادِلْهم إلا جدالاً ظاهراً نطَق به الوحيُ المبين من غير تجهيل لجميعهم فإن فيهم مُصيباً وإن قل والنهيُ عن الاستفتاء لدفع ما عسى يُتوهَّم من احتمال جوازِه أو احتمالِ وقوعِه بناءً على إصابة بعضهم فالمعنى لا تراجع إليهم في شأن الفتيةِ ولا تصدّق القولَ الثالثَ من حيث صدورُه عنهم بل من حيث التلقّي من الوحي
{وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء} أي لأجل شيءٍ تعزم عليه {إِنّى فَاعِلٌ ذلك}

الصفحة 216