كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الكهف 56 57 التي من جملتها مجادلتُهم للحق بالباطل {إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأولين} أي إلا طلبُ إتيانِ سُنّتهم أو إلا انتظار إيتانها أو إلا تقديرُه فحُذف المضافُ وأُقيمَ المضافُ إليه مُقامَه وسنتُهم الاستئصالُ {أَوْ يَأْتِيَهُمُ العذاب} أي عذابُ الآخرة {قُبُلاً} أي أنواعاً جمعُ قَبيل أو عِياناً كما في قراءة قِبَلاً بكسر القاف وفتحِ الباء وقرئ بفتحتين أي مستقبَلاً يقال لقِيتُه قُبُلاً وقَبَلاً وقِبَلاً وانتصابُه عَلى الحاليةِ من الضمير أو العذاب والمعنى أن ما تضمنه القرآنُ الكريم من الأمور المستوجبةِ للإيمان بحيث لو لم يكن مثلَ هذه الحكمةِ القوية لما امتنع الناسُ من الإيمان وإن كانوا مجبولين على الجدَل المفْرِط
{وَمَا نُرْسِلُ المرسلين} إلى الأمم ملتبسين بحال من الأحوالِ {إلا} حالَ كونهم {مُبَشّرِينَ} للمؤمنين بالثواب {وَمُنذِرِينَ} للكفرة والعصاة بالعقاب {ويجادل الذين كَفَرُواْ بالباطل} باقتراح الآياتِ بعد ظهور المعجزاتِ والسؤالِ عن قصة أصحاب الكهفِ ونحوها تعنّتاً {لِيُدْحِضُواْ بِهِ} أي بالجدال {الحق} أي يُزيلوه عن مركزه ويُبْطلوه من إدحاض القدمِ وهو إزلاقُها وهو قولهم للرسلِ عليهمْ الصلاةُ والسلامُ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا وَلَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة ونحوُهما {واتخذوا آياتي} التي تخِرُّ لها صُمُّ الجبال {وَمَا أُنْذِرُواْ} أي أُنذروه من القوارع الناعيةِ عليهم العقابَ والعذابَ أو إنذارهم {هزوا} استهزاء وقرئ بسكون الزاي وهو ما يستهزأ به
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكّرَ بآيات رَبّهِ} وهو القرآنُ العظيم {فَأَعْرَضَ عَنْهَا} ولم يتدبرها ولم يتذكرْ بها وهذا السبكُ وإن كان مدلولُه الوضعيُّ نفيَ الأظلميةِ من غيرِ تعرضٍ لنفي المساواة في الظلم إلا أن مفهومَه العُرْفيَّ أنه أظلمَ منْ كلِّ ظالمٍ وبناءُ الأظلمية على مَا في حيِّز الصِّلةِ من الإعراض عن القرآن للإشعار بأن ظلمَ من يجادل فيه ويتخذُه هزواً خارجٌ عن الحد {وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} أي عملَه من الكفر والمعاصي التي من جملتها ما ذكر من المجادلة بالباطل والاستهزاءِ بالحق ولم يتفكر في عاقبتها {إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} أغطيةً كثيرة جمع كِنان وهو تعليلٌ لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوعٌ على قلوبهم {أَن يَفْقَهُوهُ} مفعولٌ لما دل عليه الكلامُ أي منعناهم أن قفوا على كُنهه أو مفعولٌ له أي كراهةَ أن يفقهوه {وَفِي آذَانِهِم} أي جعلنا فيها {وِقْراً} ثِقَلاً يمنعهم من استماعه {وَإِن تَدْعُهُمْ إلى الهدى فَلَنْ يَهْتَدُواْ إِذاً أَبَداً} أي فلن يكون منهم اهتداءٌ البتةَ مدةَ التكليف وإذن جزاءٌ للشرط وجوابٌ عن سؤال النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم المدلولِ عليه بكمال عنايتِه بإسلامهم كأنه قال صلى الله عليه وسلم مالي لا أدعوهم فقيل إن تدعهم الخ وجمعُ الضميرِ الراجع إلى الموصول في هذه المواضع الخمسة باعتبار معناه كما أن إفراده في المواطن الخمسة المتقدمة باعتبار لفظه

الصفحة 230