كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الرعد 35 36 من صد صدوداً {وَمَن يُضْلِلِ الله} أي يخلق فيه الضلالَ بسوء اختيارِه أو يخذلْه {فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} وفقه للهدى
{لهم عذاب} شاق {في الحياة الدنيا} بالقتل والأسر وسائرِ ما يصيبهم من المصائب فإنها إنما تصيبهم عقوبةً على كفرهم (وَلَعَذَابُ الاخرة أَشَقُّ) من ذلك بالشدة والمدة (وَمَا لَهُم مِنَ الله) مِن عذابه المذكور (مِن وَاقٍ) من حافظ يعصِمهم من ذلك فمِن الأولى صلةٌ للوقاية والثانية مزيدةٌ للتأكيد
(مَّثَلُ الجنة) أي صفتُها العجيبة الشأنِ التي في الغرابة كالمثل (التى وُعِدَ المتقون) عن الكفر والمعاصي وهو مبتدأ خبرُه محذوفٌ عند سيبويهِ أي فيما قصصنا عليك مثلُ الجنة وقوله تعالى (تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار) تفسير لذلك المثَل على أنه حالٌ من الضمير المحذوف من الصلة العائدِ إلى الجنة أي وعدها وهو الخبرُ عند غيره كقولك شأنَ زيد يأتيه الناسُ ويعظمونه أو على حذف موصوفٍ أي مثلُ الجنة جنةٌ تجري الخ (أُكُلُهَا) ثمرُها (دَائِمٌ) لا ينقطع (وِظِلُّهَا) أيضاً كذلك لا تنسخه الشمسُ كما تنسخ ظلالَ الدنيا (تِلْكَ) الجنة المنعوتةُ بما ذكر (عقبى الذين اتقوا) الكفرَ والمعاصيَ أي مآلهم ومنتهى أمرِهم (وَّعُقْبَى الكافرين النار) لا غيرُ وفيه مالا يخفى من إطماع المتقين وإقناط الكافرين
(والذين آتيناهم الكتاب) هم المسلمون من أهلِ الكتابِ كعبدِ اللَّه بنِ سَلاَم وكعبٍ وأضرابِهما ومَنْ آمن من النصارى وهم ثمانون رجلاً أربعون بنجرانَ وثمانيةٌ باليمن واثنانَ وثلاثون بالحبشة (يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ) إذ هو الكتابُ الموعودُ في التوراة والإنجيل (وَمِنَ الاحزاب) أي من أحزابهم وهم كفرتُهم الذين تحزّبوا على رسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم بالعداوة نحو كعب بن الأشرف والسيد العاقب أسقُفيْ نجرانَ وأتباعِهما (مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ) وهو الشرائعُ الحادثة إنشاءً أو نسخاً لا ما يوافق ما حرفوه وإلا لنُعيَ عليهم من أول الأمر أن مدارَ ذلك إنما هو جناياتُ أيديهم وأما ما يوافق كتبهم فلم ينكروه وإن لم يفرحوا به وقيل يجوز أن يراد بالموصول الأول عامتُهم فإنهم أيضاً يفرحون به لكونه مصداقاً لكتبهم في الجملة فحينئذ يكون قوله تعالى وَمِنَ الأحزاب الخ تتمةً بمنزلة أن يقال ومنهم من ينكر بعضه (قُلْ) إلزاماً لهم ورداً لإنكارهم (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ) أي شَيْئاً من الأشياءِ أو لا أفعل الإشراكَ به والمراد قصرُ الأمر بالعبادة على الله تعالى لا قصرُ الأمرِ مطلقاً على عبادته تعالى خاصة أي قل إنما أمرتُ فيما أُنزل إلي بعبادة الله وتوحيده وظاهرٌ أن لا سبيلَ

الصفحة 25