كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الرعد 37 38 لكم إلى إنكاره لإطباق جميعِ الأنبياءِ والكتبِ على ذلك كقوله تعالى قُلْ يا أَهْلِ الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَن لا نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً فما لكم تشركون به عزير أو المسيح وقرىء ولا أشركُ به بالرفع على الاستئناف أي وأنا لا أشرك به (إِلَيْهِ) إلى الله تعالى خاصة على النهج المذكورِ من التوحيد أو إلى ما أُمرت بهِ من التوحيد (أَدْعُو) الناسَ لا إلى غيره أولا إلى شيء آخرَ مما لم يُطبق عليه الكتبُ الإلهية والأنبياءُ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ فما وجهُ إنكارِكم (وَإِلَيْهِ) إلى الله تعالى وحده (مآب) مرجعي للجزاء وحيث كانت هذه الحجةُ الباهرة لازمةً لهم لا يجدون عنها محيصا أُمرَ عليه الصلاةُ والسلامُ بأن يخاطبَهم بذلك إلزاماً وتبكيتاً لهم ثم شرُع في رد إنكارِهم لفروع الشرائع الواردةِ ابتداءً أو بدلاً من الشرائع المنسوخةِ ببيان الحكمةِ في ذلك فقيل
(وكذلك أنزلناه) أي ما أنزل إليك وذلكَ إشارةٌ إلى مصدرِ أنزلناه أو أنزل إليك ومحلُه النصبُ على المصدرية أي مثلَ ذلك الإنزالِ البديعِ المنتظم لأصول مجمَعٍ عليها وفروعٍ متشعبة إلى موافِقة ومخالِفة حسبما تقتضيه قضيةُ الحكمةِ والمصلحة أنزلناه (حُكْمًا) حاكماً يحكم في القضايا والواقعات بالحق أو يُحكم به كذلك والتعرضُ لذلك العنوان مع أن بعضَه ليس بحكم لتربية وجوبِ مراعاتِه وتحتم المحافظةِ عليه (عَرَبِيّاً) مترجماً بلسان العربِ والتعرضُ لذلك للإشارةِ إلى أنَّ ذلكَ إحدى موادِّ المخالفة للكتب السابقةِ مع أن ذلك مقتضى الحكمةِ إذ بذلك يسهُل فهمه وإدراكُ إعجازه والاقتصارُ على اشتمال الإنزالِ على أصول الديانات المجمعِ عليها حسبما يفيده قولَه تعالى قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله الخ يأباه التعرّض لاتباع أهوائهم وحديث المحور والإثبات وأنْ لكل أجلٍ كتابٌ فإن المجمعَ عليه لا يتصور فيه الاستتباعُ والإتباع (ولئن تبعت أَهْوَاءهُم) التي يدعونك إليها من تقرير الأمور المخالفةِ لما أُنزلَ إليك من الحق كالصلاة إلى بيت المقدس بعد التحويل (بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ العلم) العظيمِ الشأن الفائضِ من ذلك الحُكم العربيِّ أو العلم بمضمونه (مالك مِنَ الله) من جنابه العزيز والالتفاتُ منَ التكلمِ إلى الغَيبة وإيرادُ الإسم الجليلِ لتربية المهابة قال الأزهري لا يكون إلها حتى يكون معبوداً وحتى يكون خالقاً ورازقاً ومدبراً (مِن وَلِىّ) يلي أمرَك وينصرك على من يبغيك الغوائلَ (وَلاَ وَاقٍ) يقيك من مصارع السوءِ وحيث لم يستلزم نفيُ الناصرِ على العدو نفيَ الواقي من نكايته أُدخل على المعطوف حرفُ النفي للتأكيد كقولك مالي دينارٌ ولا درهم أو مالك مِن بَأْسِ الله من ناصر وواقٍ لاتباعك أهواءَهم وأمثالُ هاتيك القوارعِ إنما هي لقطع أطماعِ الكفرة وتهييجِ المؤمنين على الثبات في الدين واللامُ في لئن موطِّئةٌ ومالك سادٌّ مسدَّ جوابي الشرط والقسم
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً) كثيرةً كائنة (مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لهم أزواجا وذريته)

الصفحة 26