كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

مريم 35 38 ومعناه كلمة الله وقرئ قالَ الحقِّ وقول الحق فإن القولَ والقال في معنى واحد {الذى فِيهِ يَمْتُرُونَ} أي يشكون أو يتنازعون فيقول اليهودُ ساحرٌ والنصارى ابن الله وقرئ بتاء الخطاب
{مَا كَانَ للَّهِ} أي ما صح وما استقام له تعالى {أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سبحانه} تكذيبٌ للنصارى وتنزيهٌ له تعالى عما بَهتوه وقوله تعالى {إِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} تبكيتٌ لهم ببيان أن شأنه تعالى إِذَا قَضَى أَمْرًا من الأمور أن يعلِّق به إرادتَه فيكونَ حينئذ بلا تأخير فَمْن هذا شأنُه كيف يُتوهّم أن يكون له ولد وقرئ فيكونَ بالنصب على الجواب وقوله تعالى
{وَإِنَّ الله رَبّى وَرَبُّكُمْ فاعبدوه} من تمام كلامِ عيسى عليه السلام قيلَ هُو عطفٌ على قوله إِنّى عَبْدُ الله داخلٌ تحت القول وقد قرئ بغير واو وقرئ بفتح الهمزة على حذف اللام أي ولأنه تعالى ربي وربُّكم فاعبُدوه كقوله تعالى وَأَنَّ المساجدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ الله أَحَداً وقيل معطوفٌ على الصلاة {هذا} أي الذي ذكرتُه من التوحيد {صراط مُّسْتَقِيمٍ} لا يضِلُّ سالكه والفاء في قوله تعالى
{فاختلف الأحزاب مِن بَيْنَهُمْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها تنبيهاً على سوء صنيعِهم بجعلهم ما يوجب الاتفاقَ منشأً للاختلاف فإن ما حُكي من مقالات عيسى عليه السلام مع كونها نصوصاً قاطعةً في كونه عبدَه تعالى ورسولَه قد اختلفت اليهودُ والنصارى بالتفريط والإفراط أو فرّق النصارى فقالت النُّسطوريةُ هو ابنُ الله وقالت اليعقوبيةُ هو الله هبط إلى الأرض ثم صعِدَ إلى السماء تعالى عن ذلكَ عُلواً كبيراً وقالت الملكانية هو عبدُ الله ونبيُّه {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وهم المختلفون عبّر عنهم بالموصول إيذاناً بكفرهم جميعاً وإشعاراً بعلة الحُكم {مِن مَّشْهِدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} أي من شهود يومٍ عظيمِ الهول والحساب والجزاء وهو يومُ القيامة أو من وقت شهودِه أو من مكان الشهود فيه أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وهو أن يشهد عليهم الملائكةُ والأنبياءُ عليهم السلام وألسنتُهم وآذانُهم وأيديهم وأرجلُهم وسائرُ آرابِهم بالكفر والفسوق أو من وقت الشهادة أو من مكانها وقيل هو ما شِهدوا به في حق عيسى وأمِّه عليهما السلام {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} تعجّبٌ من حِدّة سمعِهم وأبصارِهم يومئذ ومعناه أن أسماعَهم وأبصارهم
{يَوْمَ يَأْتُونَنَا} للحساب والجزاء أي يوم القيامة جديرٌ بأن يُتعجَّب منها بعد أن كانوا في الدنيا صُمًّا عُمياً أو تهديدٌ بما سيسمعون ويُبصرون يومئذ وقيل أُمر بأن يُسمِعَهم ويُبصرهم مواعيدَ ذلك اليوم وما يحيق بهم فيه والجار والمجرور على الأول في موقع الرفعِ وعلى الثاني في حيز النصب {لكن الظالمون اليوم} أي في الدنيا

الصفحة 265