كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

على أنه استفهاميٌّ وخبرُه أشدُّ والجملةُ محكيةٌ والتقديرُ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ الذين يقال لهم أيُّهم أشدُّ أو مُعلّقٌ عنها لننزعن لتضمّنه معنى التمييزِ اللازمِ للعلم أو مستأنفةٌ والفعل واقعٌ على كل شيعة على زيادة من أو على معنى لننزعن بعض كل شيعة كقوله تعالى وَوَهَبْنَا لَهْمْ مّن رَّحْمَتِنَا وعلى للبيان فيتعلق بمحذوف كأنّ سائلاً قال على مَنْ عتَوا فقيل على الرحمن أو متعلقٌ بأفعل وكذا الباءُ في قوله تعالى
مريم
70 - 73 {ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالذين هُمْ أولى بِهَا صِلِيّاً} أي هم أولى بصلبها أو صليهم أولى بالنار وهم المنتزَعون ويجوز أن يراد بهم وبأشدهم عتيا رؤساء الشيعة فإن عذابَهم مضاعفٌ لضلالهم وإضلالهم والصِّليُّ كالعِتيّ صيغةً وإعلالا وقرئ بضم الصاد
{وَإِن مّنكُمْ} التفاتٌ لإظهار مزيدِ الاعتناءِ بمضمون الكلامِ وقيل هو خطابٌ للناس من غير التفاتٍ إلى المذكور ويؤيد الأولَ أنه قرئ وإن منهم أي ما منكم أيها الإنسانُ {إِلاَّ وَارِدُهَا} أي واصلُها وحاضرٌ دونها يمرّ بها المؤمنون وهي خامدة وتهار بغيرهم وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم سئل عنه فقال إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ قال بعضُهم لبعض أليس قد وعدنا ربنا أن نرِدَ النار فيقال لهم قد وردتُموها وهي خامدةٌ وأما قولُه تعالى {أُوْلَئِكَ عنها مبعدون} فالمراد به الإبعادُ عن عذابها وقيل ورودُها الجوازُ على الصراط الممدودِ عليها {كَانَ} أي ورودُهم إياها {على رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} أي أمراً محتوما أوجبه الله عزَّ وجلَّ على ذاته وقضى أنه لا بد من وقوعه البتة وقيل أقسم عليه
{ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} الكفرَ والمعاصيَ مما كانوا عليه من حال الجُثُوّ على الركب على الوجه الذي سلف فيُساقون إلى الجنة وقرئ نُنْجي بالتخفيف ويُنْجي وينجَى على البناء للمفعول وقرئ ثَمةَ نُنجّي بفتح الثاء أي هناك ننجيهم {وَّنَذَرُ الظالمين} بالكفر والمعاصي {فِيهَا جِثِيّاً} منهاراً بهم كما كانوا قيل فيه دليلٌ على أنَّ المراد بالورود الجثُوُّ حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرةَ بعد تجاثيهم حولها ويُلقى الفجرةُ فيها على هيآتهم وقوله تعالى
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} الآية إلى آخرها حكايةٌ لما قالوا عند سماعِ الآياتِ الناعية عليهم فظاعةَ حالِهم ووخامةَ مآلِهم أي وإذا تتلى على المشركين {آياتِنا} التي من جملتها هاتيك الآياتُ الناطقةُ بحسن حالِ المؤمنين وسوءِ حالِ الكفرةِ وقوله تعالى {بينات} أي مِرتّلاتِ الألفاظ مبيَّناتِ المعاني بنفسها أو ببيان الرسول صلى الله عليه وسلم أو بيِّناتِ الإعجاز حالٌ مؤكدةٌ من آياتنا {قَالَ الذين كَفَرُواْ} أي قالوا ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ للتنبيه على أنهم قالوا ما قالوا كافرين بما يتلى عليهم رادّين له أو قال الذين مرَدوا منهم على الكفر ومرَنوا على العتوّ والعِناد وهم النضر بن الحرث وأتباعُه

الصفحة 276