كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

إبراهيم 12 14 بسلطان) أي بحجة من الحجيج فضلاً عن السلطان المبين بشيء من الأشياء وسببٍ من الأسباب (إِلاَّ بِإِذْنِ الله) فإنه أمرٌ يتعلق بمشيئته تعالى إن شاء كان وإلا فلا (وَعَلَى الله) وحده دون ما عداه مطلقاً (فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون) أمرٌ منهم للمؤمنين بالتوكل ومقصود هم حملُ أنفسِهم عليه آثرَ ذي أثيرٍ ألا يُرى إلى قوله عز وجل
(ومالنا) أي أيُّ عذرٍ لنا (أَن لا نَتَوَكَّلَ عَلَى الله) أي في أن لا نتوكل عليه والإظهار لإظهار النشاطِ بالتوكل عليه والاستلذاذِ بذكر اسمِه تعالى وتعليلِ التوكل (وَقَدْ هَدَانَا) أي والحالُ أنه قد فعل بنا ما يوجبه ويستدعيه حيث هدانا (سُبُلَنَا) أي أرشد كلاًّ منا سبيله ومنهاجَه الذي شرَع له وأوجب عليه سلوكهَ في الدين وحيث كانت أذيةُ الكفار مما يوجب القلقَ والاضطرابَ القادح في التوكل قالوا على سبيل التوكد القسميِّ مظهرين لكمال العزيمة (وَلَنَصْبِرَنَّ على مَا اذَيْتُمُونَا) بالعِناد واقتراحِ الآيات وغير ذلك مما لا خير فيه (وَعَلَى الله) خاصة (فليتوكل المتوكلون) أي فليثبُت المتوكلون على ما أحدثوه من التوكل والمرادُ هو المرادُ مما سبق من إيجاب التوكلِ على أنفسهم والمرادُ بالمتوكّلين المؤمنون والتعبيرُ عنهم بذلك لسبق ذكرِ اتصافِهم بهِ ويجوزُ أنْ يُرادَ وعليه فليتوكل مَنْ توكل دون غيره
(وَقَالَ الذين كَفَرُواْ) لعل هؤلاء القائلين بعضُ المتمردين العاتين الغالين في الكفر من أولئك الأممِ الكافرة التي نُقِلت مقالاتُهم الشنيعة دون جميعهم كقوم شعيبٍ وأضرابِهم ولذلك لم يُقل وقالوا (لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى ملننا) لم يقنَعوا بعصيانهم الرسلَ ومعاندتهم الحق بعد مار أو البيناتِ الفائتةَ للحصر حتى اجترءوا على مثل هاتيك العظيمةِ التي لا يكاد يحيط بها دائرة الإمكان فخلفوا على أن يكون أحدُ المُحالَيْن والعَودُ إما بمعنى مطلق الصيرورة أو باعتبار تغليبِ المؤمنين على الرسل وقد مر في الأعراف وسيأتي في الكهف (فأوحى إِلَيْهِمْ) أي إلى الرسل (رَّبُّهُمْ) مالكِ أمرهم عند تناهي كفرِ الكفرة وبلوغِهم من العتو إلى غاية لا مطمَعَ بعدها في إيمانهم (لَنُهْلِكَنَّ الظالمين) على إضمار القولِ أو على إجراء الإيحاءِ مُجراه لكونه ضرباً منه
(وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأرض) أي أرضَهم وديارَهم عقوبةً لهم بقولهم لنُخرجَنّكم من أرضنا كقوله تعالى وَأَوْرَثْنَا القوم الذين كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مشارق الارض ومغاربها (مِن بَعْدِهِمْ) أي من بعد إهلاكِهم وقرىء ليُهلكَن وليُسكِنَنّكم بالياء اعتباراً لأوحى كقولهم حلف زيد ليخرُجَنّ غداً (ذلك) إشارةٌ إلى الموحى به وهو إهلاكُ الظالمين وإسكانُ المؤمنين ديارَهم أي ذلك الأمرُ محققٌ ثابت (لِمَنْ خَافَ

الصفحة 38