كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر 52 55 عشرَ على صور الغلمان الوضاء وجوههم وعن مقاتل أنهم كانوا اثني عشر ملَكاً وإنما لم يتعرض لعنوان رسالتِهم لأنهم لم يكونوا مرسَلين إلى إبراهيمَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بل إلى قوم لوطٍ حسبما يأتي ذكرُه
(إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ) نُصب بفعلٍ مضمر معطوفٍ على نبىء أي واذكر وقت دخولِهم عليه أو خبر مقدر مضاف إلى ضيف أي خبر ضيف إبراهيمَ حين دخولهم عليه أو بنفس ضيف على أنه مصدرٌ في الأصل (فَقَالُواْ) عند ذلك (سَلاَماً) أي نسلّم سلاماً أو سلّمنا أو سَلِمْتَ سلاماً (قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) أي خائفون فإن الوجلَ اضطرابُ النفس لتوقع مكروهٍ قالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ حين امتنعوا من أكل ما قرّبه إليهم من العجل الحنيذ لِما أن المعتاد عندهم أنه إذا نزلَ بهم ضيفٌ فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يجىء بخير لا عند ابتداء دخولهم لقوله تعالى فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً فلا مجال لكون خوفه عليهِ الصلاةُ والسلامُ بسببِ دخولِهم بغير إذن ولا بغير وقت إذ لو كان كذلك لأجابوا حينئذ بما أجابوا حينئذ به وَلَمْ يتصدَّ عليهِ الصَّلاةُ والسلام لتقريب الطعام إليهم وإنَّما لَمْ يُذكِرْ هَهُنا اكتفاءً بما بيّن في غير هذا الموضع ألا يرى إلى أنه لم يذكر ههنا رده عليه الصلاة والسلام لسلامهم
(قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ) لا تخف وقرىء لا تاجل ولا تُوجِلْ من أوجله أي أخافه ولا تُواجِلْ من واجله بمعنى أوجله (إِنَّا نُبَشّرُكَ) استئنافٌ لتعليل النهي عن الوجل فإن المبشَّر به لا يكاد يحوم حول ساحته خوفٌ ولا حزن كيف لا وهو بشارةٌ ببقائه وبقاءِ أهله في عافية وسلامة زماناً طويلاً (بغلام) هو إسحق عليه الصلاة والسلام لقوله تعالى فبشرناها بإسحق ولم يتعرض ههنا لبشارة يعقوب عليه الصلاة والسلام اكتفاء بما ذكر في سورة هود (عَلِيمٌ) إذا بلغ وفي موضع آخرَ بغلام حليم
(قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى) بذلك (على أَن مَّسَّنِىَ الكبر) وأثر في تعجب عليه الصلاة والسلام من بشارتهم بالولد في حالة مباينة للولادة وزاد في ذلك فقال (فَبِمَ تُبَشّرُونَ) أي بأي أعجوبةٍ تبشرونني فإن البشارة بما لا يُتصور وقوعُه عادة بشارةٌ بغير شيء أو بأي طريقةٍ تبشرونني وقرىء بتشديد النون المكسورة على إدغام نون الجمع في نون الوقاية
(قَالُواْ بشرناك بالحق) أي بما يكون لا محالة أو باليقين الذي لا لَبْسَ فيه أو بطريقة هي حقٌّ وهو أمرُ الله تعالى وقوله (فَلاَ تَكُن مّنَ القانطين) من الآيسين من ذلك فإن الله قَادِرٌ على أَن يَخْلُقَ بشراً بغير أبوين فكيف من شيخٍ فانٍ وعجوزٍ عاقر وقرىء من القنطين وكان مقصده عليه الصلاة والسلام استعظام نعمته تعالى في ضمن التعجب العادي المبنيِّ على سنة الله

الصفحة 81