كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر 60 63 استئنافٌ للإخبار بنجاتهم لعدم إجرامِهم أو لبيان ما فُهم من الاستثناء من مطلق عدمِ شمولِ العذاب لهم فإن ذلك قد يكون يكون حالهم بين بين أو لتعليله فإن مَنْ تعلّق بهم التنجية يمنجى من شمول العذاب أو منقطعٌ من قوم وقوله تعالى إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ متصلٌ بآلَ لوطٍ جارٍ مَجرى خير لكنّ وعلى هذا فقوله تعالى
(إِلاَّ امرأته) استثناءٌ من آلَ لوط أو من ضميرهم وعلى الأول من الضمير خاصة لاختلاف الحكمين اللهم إلا أن يُجعل إنا لمنجوهم اعتراضاً وقرىء بالتخفيف (قدرنا إنا لَمِنَ الغابرين) الباقين مع الكفرة لتُهلَك معهم وقرىء قدَرْنا بالتخفيف وإنما عُلّق فعلُ التقدير مع اختصاص ذلك بأفعال القلوبِ لتضمُّنه معنى العلم ويجوز حملُه على معنى قلنا لأنه بمعنى القضاء قولٌ وأصلُه جعلُ الشيء على مقدار غيرِه وإسنادُهم له إلى أنفسهم وهو فعلَ الله سبحانه لِما لهم من الزلفى والاختصاص
(فلما جاء آل لُوطٍ المرسلون) شروعٌ في بيانِ كيفيةِ إهلاكِ المجرمين وتنجيةِ آل لوط حسبما أُجمل في الاستثناء ثم فُصّل في التعليل نوعَ تفصيل ووضعُ المظهرِ موضعَ المضمرِ للإيذان بأن مجيئهم لتحقيق ما أرسلو به من الإهلاك والتنجية وليس المرادُ به ابتداءَ مجيئهم بل مطلقُ كينونتهم عند آل لوط فإن ما حكي عنه عليه الصلاة والسلام بقوله تعالى
(قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ) إنما قالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعدا للتيا والتي حين ضاقت عليهِ الحيلُ وعيَّتْ بهِ العللُ لمّا لم يشاهِدْ من المرسلين عند مقاساته الشدائدَ ومعاناته المكايدَ من قومه الذين يريدون بهم ما يريدون ما هو المعهودُ والمعتاد من الإعانة والإمداد فيما يأتي ويذر عند تجشّمِه في تخليصهم إنكاراً لخذلانهم له وتركِ نصرته في مثل تلك المضايقة المعترية له بسببهم حيث لم يكونوا مباشرين معه لأسباب المدافعةِ والممانعة حتى ألجأتْه إلى أنْ قالَ لَوْ أَنَّ لِى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ اوِى إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ حسبما فُصِّل في سورة هود لا أنه قاله عند ابتداء ورودِهم له خوفاً أن يطرُقوه بشرَ كما قيل كيف لا وهم بجوابهم المحكيّ بقوله تعالى
(قَالُواْ بَلْ جئناك بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي بالعذاب الذي كنت تتوعدهم به فيمترون فيه ويكذبونك قد قشَروا العصا وبينوا له عليه الصلاة والسلام جليةَ الأمر فأنى يمكن أن يعتريه بعذ ذلك المساءةُ وضيقُ الذَّرْع وليست كلمةُ بل إضراباً عن موجب الخوفِ المذكور على معنى ما جئناك بما تُنكِرنا لأجله بل بما يسرك وتقَرّ به عينيك بل هي إضرابٌ عما فهمه عليه الصلاة والسلام من ترك النصرةِ له والمعنى ما خذلناك وما خلّينا بينك وبينهم بل جئناك بما يدمّرهم من العذابِ الذي كانُوا يكذبونك حين كنت تتوعدهم به ولعل تقديمَ هذه المقاولة على ما جرى بينه وبين أهلِ المدينة من المجادلة للمسارعة إلى ذكر بشارة لوط عليه الصلاة والسلام بإهلاك

الصفحة 83