كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر 71 77 تلك الحالةُ ولمّا رآهم لا يُقلِعون عما هم عليه
(قال هؤلاء بَنَاتِى) يعني نساءَ القومِ فإن نبيَّ كلِّ أمةٍ بمنزلة أبيهم أو بناتِه حقيقةً أي فتزوجوهن وقد كانوا من قبلُ يطلبُونهن ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتِهم لا لعدم مشروعية المُناكحةِ بين المسلمات والكفار وقد فُصِّل في سورة هود (إِن كُنتُمْ فاعلين) أي قضاءَ الوطر أو ما أقول لكم
(لَعَمْرُكَ) قسمٌ من الله تعالى بحياة النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أو من الملائكة بحياة لوط عليه الصلاة والسلام والتقديرُ لعَمرُك قسمي وهي لغة في العُمُر يختص به القسم إيثاراً للخِفة لكثرة دورَانِه على الألسنة (إِنَّهُمْ لَفِى سَكْرَتِهِمْ) غَوايتهم أو شدة غُلْمتهم التي أزالت عقولَهم وتمييزَهم بين الخطإ والصواب (يَعْمَهُونَ) يتحيّرون ويتمادَوْن فكيف يسمعون النصح وقيل الضميرُ لقريش والجملةُ اعتراض
(فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة) أي الصيحةُ العظيمة الهائلة وقيل صيحةُ جبريل عليه الصلاة والسلام (مُشْرِقِينَ) داخلينَ في وقتِ شروق الشمس
(فَجَعَلْنَا عاليها) عاليَ المدينة أو عاليَ قُراهم وهو المفعولُ الأول لجعلنا وقوله تعالى (سَافِلَهَا) مفعول ثانٍ له وهو أدخلُ في الهول والفظاعة من العكس كما مر (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ) في تضاعيف ذلك قبل تمام الانقلابِ (حِجَارَةً) كائنة (مّن سِجّيلٍ) من طينٍ متحجرا أو طينٍ عليه كتاب وقد فصل ذلك في سُورة هود
(إِنَّ فِى ذَلِكَ) أي فيما ذكر من القصة (لاَيَاتٍ) لعلاماتٍ يُستدل بها على حقيقة الحق (لِلْمُتَوَسّمِينَ) أي المتفكّرين المتفرّسين الذين يثبتون في نظرهم حتى يعرِفوا حقيقة الشيء بسَمْته
(وَإِنَّهَا) أي المدينة أو القرى (لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ) أي طريق ثابتٍ يسلُكه الناس ويرَوْن آثارها
(إِنَّ فِى ذَلِكَ) فيما ذكر من المدينة أو القرى أو في كونها بمر أي من الناس يشاهدونها في ذهابهم وإيابهم (لآيَةً) عظيمةً (لِلْمُؤْمِنِينَ) بالله ورسولِه فإنهم الذين يعرِفون أن ما حاق بهم العذاب الذي ترك ديارَهم بلا قع إنما حاق بهم لسوء صنيعهم وأما غيرُهم فيحمِلون ذلك على الاتفاق أو الأوضاع الفلكية وإفراده الآية بعد جمعها فيما سبق لما أن المشاهدَ ههنا بقيةُ الآثارِ لا كلُّ القصة كما فيما سلف

الصفحة 86