كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر
78 - 83 (وَإِن كَانَ) إنْ مخففةٌ منْ أنَّ وضمير الشأن الذي هو اسمُها محذوفٌ والَّلامُ هي الفارقةُ أي وإن الشأن كان (أصحاب الأيكة) وهو قوم شعيب عليه الصلاة والسلام والأيكة الشجرةُ الملتفةُ المتكاثِفة وكان عامة شجرِهم المقل وكانوا يسكنونها فبعثه الله تعالى إليهم (لظالمين) متجاوزين عن الحد
(فانتقمنا مِنْهُمْ) بالعذاب روي إن الله سلط عليهم الحرَّ سبعةَ أيام ثم بعث سحابة فالتجئوا إليها يلتمسون الرَّوْحَ فبعث الله تعالى عليهم منها ناراً فأحرقتهم فهو عذابُ يوم الظلة (وَإِنَّهُمَا) يعني سدوم والأيكة وقيل الايكة ومدين فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام كان مبعوثاً إليهما فذِكرُ أحدهما منبّهٌ على الآخر (لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ) لبطريق واضحٍ والإمام اسمُ ما يؤتمُّ به سُمِّيَ به الطريقُ ومطمر البناء واللوحُ الذي يكتب فيه لأنها مما يؤتم به
(وَلَقَدْ كَذَّبَ أصحاب الحجر) يعني ثمود (المرسلين) أي صالحاً فإن مَنْ كذب واحداً من الأنبياءِ عليهم السلام فقد كذب الجميعَ لاتفاقهم على التوحيد والأصولِ التي لا تخلف باختلاف الأممِ والأعصار وقيل المراد صالحٌ وَمَنْ مَعَهُ من المؤمنينَ كما قيل الخُبيبون لخبيب بن عبدِ الله بين الزبير وأصحابه والحجر وادٍ بين المدينة والشام كانوا يسكنونه
(وآتيناهم آياتنا) وهي الآياتُ المنزلة على نبيهم أو المعجزاتُ من الناقة وسَقْيها وشِرْبها ودرّها أو الأدلةُ المنصوبة لهم (فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ) إعراضاً كليًّا بل كانوا معارضين لها حيث فعلوا بالناقة ما فعلوا
(وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بيوتا آمنين) من الانهدام ونقْب اللصوص وتخريبِ الأعداء لوثاقتها أو من العذاب لحُسبانهم أن ذلك يحميهم منه عنْ جابرٍ رضيَ الله تعالى عنه أنه قال مررنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحِجْر فقال لا تدخُلوا مساكن الذين ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ إلا أن تكونوا باكين حذارا أنْ يُصيبكم مثلُ ما أصاب هؤلاء ثم زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فأسرع حتى خلّفها
(فَأَخَذَتْهُمُ الصيحة مُصْبِحِينَ) وهكذا وقع في سورة هودٍ قيل صاح بهم جبريلُ عليه الصلاة والسلام وقيل أتتهم من السماء صيحةٌ فيها صوتُ كلِّ صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم وفي سورة الأعراف فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة أي الزَّلزلةُ ولعلها من روادف الصيحة المستتبعة لتموج الهواء تموجاً شديداً يفضي إليها كما مر في سورة هود

الصفحة 87