كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر
84 - 87 (فما أعنى عَنْهُمْ) ولم يدفع عنهم ما نزل بهم (مَّا كانوا بكسبون) من بناء البيوتِ الوثيقة والأموالِ الوافرة والعُدد المتكاثرة وفيه تهكمٌ بهم والفاءُ لترتيبِ عدمِ الإغناءِ الخاصِّ بوقت نزول العذابِ حسبما كانوا يرجونه لا عدمِ الإغناءِ المطلق فإنه أمرٌ مستمر
(وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بالحق) أي إلاَّ خلقاً مُلتبساً بالحق والحكمةِ والمصلحةِ بحيث لا يلائم استمرارَ الفساد واستقرارَ الشرور ولذلك اقتضت الحكمةُ إهلاكَ أمثال هؤلاء دفعاً لفسادهم وإرشاداً لمن بقيَ إلى الصلاح أو إلا بسبب العدل والإنصافِ يوم الجزاءِ على الأعمال كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ) فينتقم الله تعالى لك فيها ممن كذبك (فاصفح) أي أعرض عنهم (الصفح الجميل) إعراضاً جميلاً وتحمَّلْ أذِيَّتهم ولا تعجَلْ بالانتقام منهم وعامِلْهم معاملةَ الصَّفوح الحليم وقيل هي منسوخةٌ بآية السيف
(إِنَّ رَبَّكَ) الذي يبلّغك إلى غاية الكمال (هُوَ الخلاق) لك ولهم ولسائر الموجوداتِ على الإطلاق (العليم) بأحوالك وأحوالِهم بتفاصيلها فلا يَخْفى عليه شيءٌ مما جرى بينك وبينهم فهو حقيقٌ بأن تكِل جميع الأمورِ إليه ليحكُم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلِم تفاصيلَ أحوالِكم وقد علم أن الصفحَ اليوم أصلحُ إلى أن يكون السيفُ أصلحَ فهو تعليلٌ للأمر بالصفح على التقديرين وفي مصحف عثمانَ وأُبيّ رضي الله تعالى عنهما هو الخالق وهو صالح للقليل والكثير والخلاقُ مختصٌّ بالكثير
(ولقد آتيناك سبعا) سبع آياتٍ وهي الفاتحةُ وعليه عمرُ وعليٌّ وابنُ مسعود وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم والحسنُ وأبو العالية ومجاهدٌ والضحاكُ وسعيدُ ابن جبير وقَتادة رحمهم الله تعالى وقيل سبعُ سورٍ وهي الطوالُ التي سابعتُها الأنفالُ والتوبة فإنهما في حكم سورةٍ واحدة ولذلك لم يُفصَلْ بينهما بالتسمية وقيل يونسُ أو الحواميم السبعُ وقيل الصحائفُ السبعُ وهي الأسباع (مّنَ المثانى) بيانٌ للسبع من التثنية وهي التكريرُ فإن كان المرادُ الفاتحةَ وهو الظاهرُ فتسميتها مثاني لتكرر قراءتِها في الصلاة وأما تكررُ قراءتها في غير الصلاة كما قيل فليس بحيث يكون مدا ر للتسمية ولأنها تثنى بما يقرأ بعدها في الصلاة وأما تكررُ نزولها فلا يكون وجهاً للتسمية لأنها كانت مسماة بهذا الاسم قبل نزولها الثاني إذ السورةُ مكيةٌ بالاتفاق وإن كان المرادُ غيرَها من السور فوجهُ كونِها من المثاني أنَّ كلاًّ من ذلك تُكرّر قراءتُه وألفاظُه أو قصصه ومواعظُه أو من الثناء لاشتماله على ما هو ثناءٌ على الله واحدتها مَثْناةٌ أو مَثْنيةٌ صفة للآية وأما الصحائفُ وهي الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص

الصفحة 88