كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر 88 91 والمواعظ والوعدِ والوعيدِ وغيرِ ذلكَ ولما فيها من الثناء على الله تعالى كأنها تُثْني عليه سبحانه بأفعاله وصفاتِه الحسنى ويجوز أن يراد بالمثاني القرآنُ لما ذكر أولا لأنه مُثْنَى عليه بالإعجاز أو كتبُ الله تعالى كلُّها فمن للتبعيض وعلى الأول للبيان (والقرآن العظيم) إن أريد بالسبع الآياتُ أو السورُ فمِنْ عطف الكلِّ على البعض أو العام على الخاص وإن أريد به الأسباعُ أو كلُّ القرآن فهو عطفُ أحدِ الوصفين على الآخر كما في قولِه ... إلى الملكِ القَرمِ وابنِ الهُمام ... وليثِ الكتائبِ في المزدَحَمْ ... أي ولقد أتيناك ما يقال له السبعُ المثاني والقرآنُ العظيم
(لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) لا تطمَحْ ببصرك طُموحَ راغب ولا تُدِمْ نظرك (إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ) من زخارفِ الدنيا وزينتها ومحاسنِها وزَهْرتِها (أزواجا مّنْهُمْ) أصنافاً من الكفرة فإن ما في الدُّنيا من أصناف الأموالِ والذخائر بالنسبة إلى ما أوتيتَه مستحقَرٌ لا يُعبأ به أصلاً وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه مَنْ أوتيَ القرآنَ فرآى أن أحداً أوتيَ أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً وروي أنه وافَتْ من بصرى وأذْرِعاتَ سبعُ قوافلَ ليهود بني قُريظةَ والنّضِير فيها أنواعُ البَزِّ والطيب والجواهر وسائرُ الأمتعة فقال المسلمون لو كانت هذه الأموالُ لنا لتقوَّيْنا بها وأنفقناها في سبيل الله فقيل لهم قد أُعطِيتم سبعَ آياتٍ وهي خير من هذه القوافل السبْع (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) حيث لم يؤمنوا ولم ينتظِموا أتباعك في سلك ليتقوى بهم ضعفاءُ المسلمين وقيل أو أنهم المتمتعون به ويأباه كلمة على فإن تمتّعهم به لا يكون مداراً للحزن عليهم (واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي تواضَعْ لهم وارفُق بهم وألِنْ جانبك لهم وطِبْ نفساً من إيمان الأغنياء
(وقل إنى أنا النذير المبين) أي المنذِرُ المُظْهِر لنزول عذاب الله وحلولِه
(كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين) قيل إنه متعلقٌ بقوله تعالى وَلَقَدْ آتيناك الخ أي أنزلناه عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب
(الذين جعلوا القرآن عِضِينَ) أي قسَموه إلى حق وباطل حيث قالوا عِناداً وعدواناً بعضُه حقٌّ موافقٌ للتوراة والإنجيل وبعضُه باطلٌ مخالفٌ لهما أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً حيث كان يقول بعضُهم سورةُ البقرة لي وبعضُهم سورةُ آلِ عمران لي وهكذا أو قسموا ما قرءوا من كتبهم وحرّفوه فأقرّوا ببعضه وكذبوا ببعضه وحُمل توسط قوله تعالى لاتمدن عَيْنَيْكَ على إمداد ما هو المرادُ بالكلام من التسلية وعُقّب ذلك بأنه جلّ المقامُ عن التشبيه ولقد أُوتي عليهِ الصَّلاة والسَّلام ما لم يؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده مثلَه وقيل

الصفحة 89