كتاب تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم (اسم الجزء: 5)

الحجر 92 96 أصلها عِضْوَةٌ فِعْلة من عضَّى الشاةَ تعضيةً إذا جعلها أعضاءَ وإنما جُمعت جمع السلامةِ جبراً للمحذوف كسنينَ وعِزينَ والتعبيرُ عن تجزئة القرآن بالتعضية التي هي تفريقُ الأعضاء من ذي الروح المستلزمُ لإزالة حياتِه وإبطالِ اسمِه دون مطلق التجزئةِ والتفريق اللذَيْن ربما يوجدان فيما لا يضره التبعيضُ من المِثليات للتنصيص على كمالِ قبحِ ما فعلوه بالقرآن العظيم وقيل هي فِعلة من عضهتُه إذا بهتُّه وعن عكرِمةَ العضه السحرُ بلسان قريشٍ فنقصانها على الأول واو وعلى الثاني هاء
(فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ) أي لنسألن يوم القيامة أصنافَ الكفرة من المقتسمين وغيرهم سؤالَ توبيخٍ وتقريع
(عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الدُّنيا من قول وفعل وترْكٍ فيدخُل فيه ما ذُكر من الاقتسام والتعضيةِ دخولاً أولياً ولنجزيّنهم بذلك جزاءاً موفوراً وفيه من التشديد وتأكيد الوعيد مالا يخفى والفاءُ لترتيب الوعيدِ على أعمالهم التي ذكر بعضها وفي التعرُّض لوصفِ الربوبيةِ مضافا إليه عليه الصلاة والسلام إظهار اللطفِ به عليه الصلاة والسلام
(فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ) فاجهر به من صَدَع بالحجة إذا تكلم بها جِهاراً أو افرُق بين الحق والباطل وأصلُه الإبانةُ والتمييزُ وما مصدريةٌ أو موصولةٌ والعائدُ محذوفٌ أي ما تؤمر به من الشرائع المودعة في تضاعيف ما أوتيتَه من المثاني السبعِ والقرآنِ العظيم (وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين) أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبالِ بهم ولا تتصدَّ للانتقام منهم
(إنا كفيناك المستهزئين) بقمعهم وتدميرهم قيل كانوا خمسةً من أشراف قريش الوليدُ بن المغيرة والعاصِ بن وائل والحرث بن قيس بن الطَلاطِلةَ والأسودُ بنُ عبدِ يغوثَ والأسودُ بنُ المطلب يبالغون في إيذاء النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم والاستهزاء به فنزل جبريلُ عليه الصلاة والسلام فقال قد أُمرت أن أكفيكَهم فأومأ إلى ساق الوليد فمرَّ بنِبال فتعلق بثوبه سهمٌ فلم ينعطف تعظيما لأخذه فاصاب عرقافي عقبه فقطه فمات وأومأ إلى أخمَص العاص فدخلت فيه شوكةٌ فقال لدغت لُدغتُ وانتفخت رجلُه حتى صارت كالرّحى فمات وأشار إلى عيني الأسودِ بن المطلب فعمِيَ وإلى أنف الحرث فامتخط قيحاً فمات وإلى الأسود بن عبد يغوثَ وهو قاعدٌ في أصل شجرةٍ فجعل ينطح برأسه الشجرةَ ويضرب وجهه بالشوك حتى مات
(الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخر) وصفهم بذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهويناً للخطب عليه بإعلام أنهم لم يقتصروا على الاستهزاءِ به عليه الصَّلاة والسلام بل اجترءوا على العظيمة التي هي الإشراك بالله سبحانه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبةَ ما يأتون ويذرون

الصفحة 92