كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 5)
يُؤْتَى الْحَكَمُ «1» ، فَصَارَ مُعَاوِيَةُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَيْهِ، فَأُلْقِيَتْ لَهُمَا وِسَادَةً وَقِيلَ اجْلِسَا عَلَيْهَا، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، وَتَكَلَّمَ مُعَاوِيَةُ بِقَوْلِهِ الأَوَّلِ، فَرَأَى فَضَالَةُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْحَقُّ مَعَهُ، فَقَضَى بِهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَقْبَلُ مَا قُلْتَ، أَرَأَيْتَ مَا غُرِسَتْ فِيهَا؟ قَالَ: يَقُومُ ذَلِكَ لَكَ «2» ، فَإِنْ شَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دَفَعَ إِلَيْكَ قِيمَةَ غَرَاسَكَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَنَكَ قِيمَةَ الأَرْضِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَدْ أَنْصَفْتَ، فَقَالَ فَضَالَةُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَ بِمِثْلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرَ يُفْعَلُ هَذَا بِعَقِبِهِمَا؟! فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: فَالْغِرَاسُ لَهُ، وَمَا مَدَّ إِلَيْهِ يَدَهُ مِنْ أَرْضِي فَهُوَ لَهُ صِلَةٌ لِرَحِمِهِ، وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ إِلَى وَكِيلِهِ وَقَضَى دَيْنَهُ وَأَلْحَقَهُ فِي شَرَفِ الْعَطَاءِ وَقَالَ: أَنْتَ مستحقّ لذلك يا ابن أَخِي الْفَارُوقِ وَالشَّهِيدِ، وَأَعْطَاهُ مَالا، فَقَالَ فَضَالَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتَ غَيْرَ هَذَا فَقَدِمَ عَلَى أَهْلِ مَدِينَةِ الْهِجْرَةِ وَبَقِيَّةِ «3» النَّاسِ فَشَكَاكَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ ما لا يحسن ولا يحمل، فقال معاوية: جزاك الله على المعاوية عَلَى الْحَقِّ خَيْرًا، وَانْصَرَفَ ابْنُ زَيْدٍ فَأَخَذَ مَالَهُ.
388- حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال:
خَطَبَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ وَاللَّهِ لَنَقْلُ «4» الْجِبَالِ الرَّاسِيَاتِ أَيْسَرُ مِنَ اتِّبَاعِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي سِيرَتِهِمَا، وَلَكِنِّي سَالِكٌ بِكُمْ طَرِيقًا تَقْصُرُ عَمَّنْ تَقَدَّمَنِي وَلا يُدْرِكُنِي فِيهَا مَنْ بَعْدِي.
389- حَدَّثَنِي الْحِرْمَازِيُّ عَنْ جَهْمِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَيْحَانَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَقَالَ لَهُ سَعِيدٌ أَأَنْتَ الْقَائِلُ:
إِنَّا لَنَشْرَبُهَا حتى تميل بنا ... كما تمايل وسنان بوسنان
__________
388- عيون الأخبار 1: 9 389- انظر ما تقدم ف: 304 والأغاني (دار الثقافة) 2: 224.
__________
(1) في بيته يؤتى الحكم: مثل، انظر جمهرة العسكري 1: 368، 2: 101 والفاخر: 76 والميداني 2: 13 والمستقصى: 251
(2) م: لك ذلك.
(3) خ بهامش ط س: ولقيه.
(4) م: لثقل.
الصفحة 133