كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 5)

مُعَاوِيَةُ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِلشَّامِيِّ: مَا أَنْتَ وَالْكَلامُ، وَأَنْتَ مِنْ حُثَالَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَسُقَّاطِهِمْ وَسِفْلَتِهِمْ، فَقَالَ الشَّامِيُّ: يَا عَمْرُو مَا عَدَوْتَ صِفَتَكَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ:
إِنِّي أَرَى الْحِلْمَ مَحْمُودًا مَغَبَّتُهُ ... وَالْجَهْلُ أَرْدَى «1» مِنَ الأَقْوَامِ أَقْوَامَا
257- حَدَّثَنِي العمري عَن الهيثم بن عدي عَنِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَى رجل من الأنصار بخمسمائة دِينَارٍ «2» فَاسْتَقَلَّهَا، وَأَقْسَمَ عَلَى ابْنِهِ أَنْ يَأْتِيَ معاوية فيضرب بها وجهه، فانطلق حَتَّى دَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: ما جاء بك يا ابن أَخِي؟ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ لأَبِي طِيَرَةً وَفِيهِ حِدَّةٌ، وَقَدْ قَالَ لِي كَيْتَ وَكَيْتَ، وَعَزَمَهُ الشَّيْخُ عَلَى مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَوَضَعَ مُعَاوِيَةُ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: افْعَلْ مَا أَمَرَكَ بِهِ أَبُوكَ وَارْفُقْ بِعَمِّكِ، فَرَمَى الدَّنَانِيرَ، وَأَمَرَ مُعَاوِيَةُ لِلأَنْصَارِيِّ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ يَزِيدَ فَدَخَلَ عَلَى مُعَاوِيَةَ مُغْضَبًا وَقَالَ: لَقَدْ أَفْرَطْتَ فِي الْحِلْمِ حَتَّى خِفْتُ أَنْ يعدّ ذلك مِنْكَ ضَعْفًا وَجُبْنًا، فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ إِنَّهُ لا يَكُونُ مَعَ الْحِلْمِ نَدَامَةٌ وَلا مَذَمَّةٌ، فَامْضِ لِشَأْنِكَ.
258- وَحَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ ضَرَبَ غُلامًا لَهُ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: يَا بُنَيَّ كَيْفَ طَوَّعَتْ لَكَ نَفْسُكَ ضَرْبَ مَنْ لا يَسْتَطِيعُ امْتِنَاعًا مِنْكَ؟! 259- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ أَبِي زَكَرِيَّا الْعَجْلانِيِّ قَالَ: دَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَجْلانِ أَخُو يَعْمُرَ بْنِ الْعَجْلانِ الزُّرْقِيُّ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَشَكَا عَمْرًا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ ابْنَ الْعَاصِ بِمِصْرَ يَنْبَعِقُ مِنْهُ كَلامٌ لَهُوَ أَشَدُّ مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي، لا يَرْعَوِي عَنْ إِسَاءَةٍ، وَلا يَرْجُو اللَّهَ فِي عَاقِبَةٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّ عَمْرًا رجل حديد، فاحمل له قوله فَإِنَّهُ يَفِيءُ إِلَى خَيْرٍ، فَقَالَ: اكْفُفْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ رَاعٍ وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ، وَرُبَّمَا ساق السيء الرّعي الثلّة
__________
257- ألف باء 1: 456 258- عيون الاخبار 1: 284 والمجتنى: 37 وابن كثير 8: 227 وفاضل المبرد: 88 والبصائر 1: 266 والفائق 3: 150 وربيع الأبرار: 67 ب والحكمة الخالدة: 160 وشرح النهج 4: 37 وفاضل الوشّاء: 146 (وفي بعض المصادر اختلاف في الرواية) .
__________
(1) فاضل المبرد: أفنى.
(2) البلوي: قطفا.

الصفحة 79