كتاب أنساب الأشراف للبلاذري (اسم الجزء: 5)

مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: إِنَّ عُمَرَ وَلانِي مَا وَلانِي من الشام ثم عثمان بعده، فو الله مَا غَشَشْتُ وَلا اسْتَأْثَرْتُ، ثُمَّ وَلانِي اللَّهُ الأَمْرَ فَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ بَلِ اسْتَأْثَرْتَ وَأَسَأْتَ وَلَمْ تُحْسِنْ وَلَمْ تُنْصِفْ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: اجْلِسْ فَمَا أَنْتَ وَالْكَلامُ؟! وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيْتِكَ بفجّ «1» تَهْفُو الرِّيحُ بِجَوَانِبِهِ، بِفِنَائِهِ تَيْسٌ وَبُهْمَةٌ وَأَعْنُزٌ، دَرُّهُنَّ نَزْرٌ يَحْلِبْنَ فِي مِثْلِ مَحَارَةٍ أَلْقَاهَا الْمَوْجُ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي شَرِّ زَمَانٍ، وَكَانَ تَحْتَ مَا رَأَيْتَ حَسَبَ كَرِيمٍ غَيْرَ دَنِسٍ، فَهَلْ رَأَيْتَنِي قَتَلْتُ مُسْلِمًا وَانْتَهَكْتُ «2» مَحْرَمًا؟
قَالَ: وَأَيْنَ أَنْتَ حَتَّى أَرَاكَ وَأَنْتَ لا تَبْرُزُ إِلا فِي خِمَارٍ «3» ، وَأَيُّ مسلم تقوى عليه حتى تقتله، اجلس لاجلست، قَالَ: لا أَجْلِسُ وَلَكِنِّي سَأَذْهَبُ عَنْكَ إِلَى أَبْعَدِ أَرْضٍ وَأَسْحَقِهَا، وَقَامَ الرَّجُلُ فَوَلَّى، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: رُدُّوهُ، فَرَدُّوهُ فَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أَمَا لَقَدْ رَأَيْتُكَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتَ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْكَ، وَأَهْدَيْتَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْكَ، وَأَسْلَمْتَ فَحَسُنَ إِسْلامُكَ، وَلَقَدْ غَلُظَ عَلَيْكَ مِنَّا الْقَوْلُ، فَاذْكُرْ حَاجَتَكَ فَإِنِّي أُعْطِيكَ حَتَّى تَرْضَى.
285- الْمَدَائِنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمٍ قَالَ: خَطَبَ مُعَاوِيَةُ النَّاسَ فَذَكَرَ تولية عمر إيّاه ثم قال: فو الله مَا خُنْتُ وَلا كَذَبْتُ، ثُمَّ وُلِّيتُ هَذَا الأَمْرَ فَتَقَدَّمْتُ وَتَأَخَّرْتُ، وَأَصَبْتُ وَأَخْطَأْتُ، وَأَحْسَنْتُ وَأَسَأْتُ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ سَلَمَةُ «4» فَرَدَّ قَوْلَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ؟! كَأَنِّي «5» أَنْظُرُ إِلَى حَفْشِ بَيْتِكَ مَرْبُوطًا بِطَنَبٍ مِنْهُ تَيْسٌ، وَبِطَنَبِ بُهْمَةٍ، وَالرِّيحُ تَخْفِقُ «6» بِهِ كَأَنَّهُ جَنَاحُ نَسْرٍ، وَلَكَ أَعْنُزٌ تَحْتَلِبُ فِي مِثْلِ قُوارَةِ حَافِرِ عِيرٍ «7» ، قَالَ: رَأَيْتَ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ عَلَيْنَا لا لَنَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ حَشْوَهُ لَحَسَبٌ غَيْرَ دَنِسٍ، ثُمَّ ذكر باقي الحديث.
__________
285- انظر الفقرة السابقة رقم: 284
__________
(1) س ط: بفخ، م: نفخ.
(2) ابن عساكر وأسد الغابة: أو كسبت.
(3) ابن عساكر: في غمار الناس، العقد: في خمر.
(4) هو سلمة بن الخطل العرجي، كما في العقد (وفيه: الخضل خطأ) .
(5) م: فاني.
(6) ابن عساكر والعقد: تهفو.
(7) ط م س: وحافر عير.

الصفحة 87