كتاب تفسير السمعاني (اسم الجزء: 5)

{لأنفسكم وَمن يُوقَ شح نَفسه فَأُولَئِك هم المفلحون (16) إِن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم وَيغْفر لكم وَالله شكور حَلِيم (17) } وَالْمُخْتَار مَا عَلَيْهِ السّلف، وَهُوَ القَوْل الأول. وَقد ذكرنَا عَن ابْن مَسْعُود فِي قَوْله تَعَالَى: {اتَّقوا الله حق تُقَاته} هُوَ أَن يطاع فَلَا يعْصى، وَيذكر وَلَا ينسى، ويشكر فَلَا يكفر.
وَقَوله: {واسمعوا وَأَطيعُوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم} نصب قَوْله: {خيرا} على تَقْدِير: اتَّقوا فِي الْإِنْفَاق خيرا. وَمثله قَوْله تَعَالَى: {انْتَهوا خيرا لكم} .
وَقَوله: {وَمن يُوقَ شح نَفسه} أَي: بخل نَفسه، وَيُقَال: الشُّح هُوَ منع حُقُوق الله الْوَاجِبَة. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: الشُّح هَاهُنَا هُوَ الظُّلم دون الْبُخْل؛ لِأَن الله تَعَالَى قد قَالَ: {وَمن يبخل فَإِنَّمَا يبخل عَن نَفسه} .
وَقَوله: {فَأُولَئِك هم المفلحون} قد بَينا.
قَوْله تَعَالَى: {إِن تقرضوا الله قرضا حسنا} قَالَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ: هُوَ الْإِنْفَاق فِي سَبِيل الله. وَيُقَال: هُوَ جَمِيع حُقُوق المَال، وَسمي ذَلِك قرضا؛ لِأَن الله تَعَالَى يثيبهم عَلَيْهِ ويعطيهم عوضه، فَهُوَ بِمَنْزِلَة الْقَرْض.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن الْإِقْرَاض هَاهُنَا هُوَ قَول الْقَائِل: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. وَذكر الْقفال: أَن بعض السّلف كَانَ إِذا سمع سَائِلًا يَقُول: من يقْرض الله قرضا حسنا يَقُول: سُبْحَانَ الله، وَالْحَمْد لله، وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَالله أكبر. وَأما قَوْله: {حسنا} أَي: طيبَة بهَا أَنفسكُم. وَيُقَال: من خِيَار المَال لَا من رذاله.
وَقَوله: {يضاعفه لكم} أَي: يَجْعَل الْوَاحِد عشرا. وَيُقَال: يُضَاعف لَا إِلَى عدد مَعْلُوم.
وَقَوله: {وَيغْفر لكم وَالله شكور حَلِيم} الشُّكْر من الله هُوَ جَزَاؤُهُ الْمُحْسِنِينَ جَزَاء

الصفحة 455