كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

من الحديدِ، ويُرْوَى أَنَّها قيودٌ سُودٌ مِن النار، والطَّعَامُ ذُو الغُصَّةِ شَجَرَةُ الزَّقُومِ، قَالَه مجاهد وغيره «1» ، وقال ابن عباس: شَوْكٌ من نارِ يَعْتَرِضُ في حُلُوقِهِم «2» وكلُّ مَطْعُومٍ هُنَالِكَ فهو ذو غصّة، وروي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَرَأَ هذهِ الآيةَ فَصَعِقَ «3» ، والرَّجَفَانُ الاهْتِزَازُ والاضْطِرَابُ مِنْ فَزَعٍ وَهَوْلٍ، و «المَهِيلُ» : اللَّيِّنُ الرّخْوُ الذي يَذْهَبُ بالرِّيحِ، وقال البخاريّ: كَثِيباً مَهِيلًا رملا سائلا، انتهى.

[سورة المزمل (73) : الآيات 15 الى 17]
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً (15) فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً (16) فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (17)
وقوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ ... الآية، خطابٌ للعالم لكن المواجهون قريش، وشاهِداً عَلَيْكُمْ نَحْوُ قولهِ: وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النساء: 41] والوَبِيلُ:
الشَّدِيدُ الرَّدَى.
وقوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ معناه: كَيْفَ تَجْعَلُونَ وِقَايةً لأنفسِكم، ويَوْماً مفعولٌ ب تَتَّقُونَ، وقِيلَ: هو مفعولٌ ب كَفَرْتُمْ ويكونُ كَفَرْتُمْ بمعنى: جَحَدْتم، ف تَتَّقُونَ على هذا منَ التقوى، أي: تتقونَ عذابَ اللَّهِ، ويجوزُ أن يكونَ يَوْماً ظرفاً والمعنى: تتقونَ عِقَابَ اللَّه يوماً، وعبارةُ الثعلبي: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ أي كيف تَتَحَصَّنُونَ من عذابِ يَوْمٍ يَشِيبُ فيه الطفلُ لهولِه إنْ كفرتُم، ثم ذَكَرَ نحو ما تقدم، انتهى، وحَكَى- ص-:، عن بعضِ الناسِ جَوازَ أنْ يكونَ يَوْماً ظرفَاً أي: فكيفَ لَكُمْ بالتقوَى في يومِ القيامَةِ إنْ كفرتم في الدنيا، ت: وهَذَا هُوَ مُرَادُ ع «4» ، قَالَ أبو حيان «5» : وشِيباً مفعولٌ ثانٍ ل يَجْعَلُ وهُو جَمْع أشْيَب، انتهى.

[سورة المزمل (73) : الآيات 18 الى 19]
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً (18) إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً (19)
__________
(1) أخرجه الطبري (12/ 289) ، رقم: (35267) ، وذكره ابن عطية (5/ 389) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 446) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(2) أخرجه الطبري (12/ 289) ، رقم: (35266) ، وذكره ابن عطية (5/ 389) ، وابن كثير (4/ 437) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 446) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، في صفة النار، وعبد الله في «زوائد الزهد» ، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم، وصححه البيهقي في «البعث» .
(3) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (6/ 446) ، وعزاه إلى أحمد في «الزهد» ، وهناد وعبد بن حميد، ومحمّد بن نصر عن حمران به.
(4) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 389) .
(5) ينظر: «البحر المحيط» (8/ 357) .

الصفحة 504