كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

ومرة أدنى من النصفِ، ومرة أدْنَى من الثلث، وذلك لِعَدَمِ تَحْصِيل البَشَرِ لِمَقَادِيرِ الزمان، مع عُذْرِ النَّوْمِ، وتقديرُ الزمان حقيقةٌ إنما هو للَّهِ تعالى، وأما البشَرُ فلا يُحْصِي ذلك، فتابَ اللَّه عليهمْ، أي: رَجَعَ بهم من الثِّقَلِ إلى الخِفَّةِ وأمرهم بقراءةِ ما تيسَّر، ونحوَ هذَا تُعْطِي عِبَارةُ الفراء، ومنذر فإنهما قالا: تُحْصُوه تَحْفَظُوه، وهذا التأويلُ هو على قراءة الخفضِ عَطْفاً على الثلثين وهي قراءة أبي عمرٍو ونافعٍ وابن عامر، وأمَّا مَنْ قَرأَ: «ونصفَه وثلثَه» بالنَّصْبِ عَطْفاً على أدْنَى وهي قراءة باقي السبعةِ «1» ، فالمعنى عندَهم أنَّ اللَّه تعالى قَدْ عَلِمَ أنهم يَقْدِرُونَ الزمانَ على نحو مَا أَمَرَ بهِ تعالى، في قوله: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ [المزمل: 3- 4] فلم يبقَ إلا قوله: أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فمعناه لَنْ يُطِيقُوا قيامَه/ لِكَثْرَتِهِ وشدتهِ، فَخَفَّفَ اللَّهُ عنهم فَضْلاً منه لا لِعِلَّةِ جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقاتِ، ونَحوَ هذا تُعْطي عبارةُ الحسن وابن جبير فإنهما قالا: تحصُوه: تُطِيقُوه «2» ، وعبارةُ الثعلبيِّ: ومَنْ قَرَأَ بالنَّصْبِ فالمعنى: وتَقُومُ نصْفَه وثلثَه، قال الفراء: وهو الأشْبَه بالصَّوَابِ لأنه قَالَ أَقَلَّ مِنَ الثلثينِ، ثم ذكر تفسيرَ القلةِ لا تَفْسِيرَ أَقَلِّ مِنَ القلةِ، انتهى، ولو عَبَّر الفَرَّاءُ بالأَرْجَحِ، لكانَ أحْسَنَ أدَباً، وعَنْ عُبَادَةَ بن الصامت عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال:
«مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ: لا إله لا اللَّه وَحْده لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله وسبحانه اللَّهِ وَلاَ إله إلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ» «3» ثم قال: «اللَّهُمَّ، اغفر لي، أوْ دَعَا، استجيب لَهُ، فإنْ تَوَضَّأَ، ثمَّ صلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ» ، رواه الجماعة إلا مسلماً، وَتَعَارَّ- بتشديدِ الرَّاءِ- مَعْنَاه: اسْتَيْقَظَ، انتهى من «السلاح» .
وقوله تعالى: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قال الثعلبيُّ أي: مَا خَفَّ وَسَهُلَ بغير مِقْدَارٍ مِنَ القِرَاءَةِ، والمُدَّةِ، وقيل: المعنى فَصَلُّوا ما تيسَّر فَعَبَّر بالقراءةِ عنها. ت:
وهذا هو الأصَحُّ عند ابن العربي، انتهى، قال ع «4» : قوله: فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ
__________
(1) ينظر: «الحجة» (6/ 336) ، و «إعراب القراآت» (2/ 407) ، و «معاني القراآت» (2/ 100) ، و «شرح الطيبة» (6/ 77) ، و «العنوان» (199) ، و «حجة القراآت» (731) ، و «شرح شعلة» (612) ، و «إتحاف» (2/ 569) .
(2) أخرجه الطبري (12/ 293- 294) ، رقم: (35292- 35293) ، عن الحسن، ورقم (35294) عن سعيد، وذكره البغوي (4/ 411) ، وابن عطية (5/ 390) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 448) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر.
(3) في د: بالله العلي العظيم.
(4) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 390) .

الصفحة 506