كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

تفسير سورة المدّثّر
وهي مكّيّة بإجماع

[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 6]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (4)
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ الآيةَ، اخْتُلِفَ في أول ما نزل من القرآن، فقال الجمهورُ هو: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وهذَا هو الأَصَحُّ، وقال جابر وجماعة هو:
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ «1» ، - ص-: والتَّدَثَّرُ: لُبْسُ الدِّثَارِ، وهو الثَّوْبُ الذي فَوْقَ الشِّعَارِ، والشِّعَارُ الثَّوبُ الذي يلي الجسد ومنه قوله: ع: «الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ دِثَارٌ» انتهى.
وقوله تعالى: قُمْ فَأَنْذِرْ بَعْثَةٌ عامةٌ إلى جميع الخلق.
وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ أي: فعظمْ.
وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ قال ابنُ زيدٍ وجماعة: هو أمْرٌ بتطهيرِ الثيابِ حَقِيقةً «2» ، وذَهَبَ الشافعيُّ وغيرُه من هذه الآيةِ إلى: وجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثيابِ، وقالَ الجُمْهُورُ:
هَذِه الألْفَاظُ اسْتِعَارَةٌ في تنقيةِ الأفْعَالِ والنَّفْسِ، والعْرِضِ، وهذا كما تقول: فلانٌ طَاهِرُ الثوبِ، ويقال للفَاجِر: دَنِسُ الثَّوْبِ، قال ابن العربي في «أحكامه» : والذي يقول إنها الثيابُ المَجَازِيَّة أكْثَرَ، وكثيراً ما تستعملُه العَرَبُ، قال أبو كبشة: [الطويل]
__________
(1) أخرجه الطبري (12/ 297) ، رقم: (35309) ، وذكره البغوي (4/ 412، 413) ، وابن عطية (5/ 392) ، وابن كثير (4/ 440) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 450) ، وعزاه للطيالسي، وعبد الرزاق، وأحمد، وعبد بن حميد، والبخاري، ومسلم، والترمذي، وابن الضريس، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن الأنباري في المصاحف.
(2) أخرجه الطبري (12/ 300) ، رقم: (35337) ، وذكره البغوي (4/ 413) ، وابن عطية (5/ 392) ، وابن كثير (4/ 441) بنحوه.

الصفحة 509