كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

وعكرمة وهو فَاعُولُ مِنَ النَّقْرِ «1» ، قال أبو حباب القصاب: أَمَّنَا زُرَارَةُ بنُ أَوْفَى فَلَمَّا بَلَغَ فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ خَرَّ مَيِّتاً، قال الفخر «2» : قوله تعالى: فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ أي: على الكافرين، لأَنَّهُمْ يُنَاقَشُونَ غَيْرُ يَسِيرٍ أي: بلْ كَثِيرٌ شَدِيدٌ فأمَّا المؤمِنونَ فَإنَّه عليهم يَسِيرٌ لأَنَّهم لا يُنَاقَشُونَ، قال ابن عباس: ولما قال تعالى: عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ دَلَّ على أنه يسيرٌ على المؤمنينَ «3» ، وهذا هو دليلُ الخِطَابِ، ويحتملُ أَنْ يكونَ إنما وَصَفَه تعالى بالعُسْرِ لأنَّه في نفسِه كذلك للجميع من المؤمنين والكافرين، إلاَّ أَنَّه يكونُ هَوْلُ الكفار فيه أَكْثَرُ وَأَشَدُّ، وعلى هذا القولِ يَحْسُن الوَقْفَ على قوله: يَوْمٌ عَسِيرٌ انتهى.

[سورة المدثر (74) : الآيات 11 الى 15]
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15)
وقوله تعالى: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً الآية، لا خلافَ بَيْنَ المفسرين أن هذه الآيةَ نزلتْ في الوليدِ بن المغيرةِ المخزومي، فَرُوِيَ أنَّه كَانَ يُلَقَّبُ الوحيدَ أي: لأنه لاَ نَظِيرَ له في مالهِ وشَرَفهِ في بيتِه، فَذَكَرَ الوَحِيدَ في جملة النِّعَمِ التي أُعْطِيَ، وإنْ لم يَثْبُتْ هذا فقوله تعالى: خَلَقْتُ وَحِيداً معناه: منفَرِداً قليلاً ذَلِيلاً، والمالُ الممدودُ قال مجاهد وابن جبير: هو ألْفُ دينار «4» ، وقال سفيان: بلغني أَنَّهُ أربَعة آلافٍ وقاله قتادة «5» ، وقيل عَشَرَةُ آلافِ دينار، قال ع «6» : وهذا مَدّ في العدَدِ، وقال عمر بن الخطاب: المالُ الممدودُ:
الرَّيْع المستغَلُّ مُشَاهَرةً «7» .
وَبَنِينَ شُهُوداً أي حُضُوراً، قيل عشَرَةٌ وقِيلَ ثَلاَثَةُ عَشَرَ، قال الثعلبيُّ/: أسْلَم منهم ثلاثةٌ خَالد بْن الوليدِ، وهِشَام، وعِمَارَة، قالوا: فما زال الوليدُ بَعْد نزولِ هذهِ الآيةِ في نُقْصَانٍ من ماله وولده حتى هلك، انتهى.
__________
(1) أخرجه الطبري (12/ 304) ، رقم: (35376) عن عكرمة، ورقم: (35380) عن ابن عبّاس، وذكره ابن عطية (5/ 393) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 452) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن عبّاس، وعزاه أيضا لعبد بن حميد عن عكرمة.
(2) ينظر: «الفخر الرازي» (30/ 174) .
(3) ذكره الرازي (30/ 174) .
(4) أخرجه الطبري (12/ 306) ، رقم: (35395- 35396) ، وذكره البغوي (4/ 414) ، وابن عطية (5/ 394) . [.....]
(5) أخرجه الطبري (12/ 306) ، رقم: (35397) ، وذكره البغوي (4/ 414) ، وابن عطية (5/ 394) .
(6) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 394) .
(7) أخرجه الطبري (12/ 306- 307) ، رقم: (35400، 35403) ، وذكره ابن عطية (5/ 394) .

الصفحة 512