كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

وأنَّ الخبرَ إنما هُو عَنْ بَعْضِ القدرةِ لاَ عَنْ كُلِّها، ت: صوابُه أنْ يقولَ عَنْ بَعْضِ المقدوراتِ لاَ عَنْ كُلِّها وهذا هو مُرَادُه، ألاَ تَرَاهُ قال في قوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ [البقرة: 255] قال: يعني بشيءٍ مِنْ مَعْلُومَاتِه لأنّ علمَه تعالى لاَ يَتَجَزَّأُ، فافْهم رَاشِداً، والسموات كُلُّها عامرةٌ بأَنواعٍ من الملائِكَةِ كلُّهم في عبادَةٍ مُتَّصِلَةٍ وخُشُوعٍ دائمٍ، لا فَتْرَةَ في شيءٍ من ذلك، ولا دَقِيقَةً واحدة، قال مجاهد: والضميرُ في قوله: وَما هِيَ للنارِ المذكورةِ، أي: يُذَكَّرُ بهَا البشرُ فَيَخَافُونَها، فيطيعونَ اللَّه «1» ، وقال بعضهم: قوله:
وَما هِيَ يرادُ بها الحالُ والمخَاطبةُ والنِّذَارَةُ، وأقْسَمَ تعالى بالقَمَرِ وما بَعدَه تَنْبيهاً عَلَى النَّظَرِ في ذلكَ والفكرِ المؤدِّي إلى تعظيمهِ تعالَى وتحصيلِ معرفتِه تعالى مالك الكلّ وقوام الوجود، ونور السموات والأرضِ، لاَ إله إلاَّ هو العزيزُ القهارُ، وأدْبَرَ الليلُ معناه ولّى، وأسْفَرَ الصبح أضَاءَ وانتشرَ ضوؤه، قال ابن زيد وغيره: الضميرُ في قوله: إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ لجهنمَ، ويحتملُ أنْ يكُونَ الضميرُ للنِّذَارَةِ وأمْرِ الآخرة فهو للحالِ والقِصَّة «2» ، - ص-: والكُبَرُ جَمْعُ كُبْرى، وفي ع «3» : جَمْعُ كبيرةٍ ولَعَلَّه وَهْمٌ من الناسِخ، انتهى.

[سورة المدثر (74) : الآيات 36 الى 41]
نَذِيراً لِلْبَشَرِ (36) لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ (37) كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (40)
عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)
وقوله سبحانه: نَذِيراً لِلْبَشَرِ قال الحسن: لا نَذِيرَ أدْهَى مِنَ النارِ «4» ، وقال ابن زيد: نَذِيراً لِلْبَشَرِ هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم «5» .
وقوله سبحانه: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ قال الحسن: هو وعيد نحو قوله: فَمَنْ/ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ «6» [الكهف: 29] ، ثم قوَّى سبحانه هذا المعنى بقوله: كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ: إذ لزم بهذا القول أنَّ المُقَصِّرَ مرتهن بسوءِ عمله، وقال الضَّحَّاكُ: المعنى: كل نفس حَقَّتْ عليها كلمة العذاب، ولا يرتهن تعالى أحدا
__________
(1) أخرجه الطبري (12/ 314) ، رقم: (35457) ، وذكره ابن عطية (5/ 397) ، وابن كثير (4/ 446) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 457) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(2) أخرجه الطبري (12/ 316) ، رقم: (35463) .
(3) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 397) .
(4) أخرجه الطبري (12/ 316) ، رقم: (35467) ، وذكره البغوي (4/ 418) ، وابن عطية (5/ 398) .
(5) أخرجه الطبري (12/ 317) ، رقم: (35469) ، وذكره البغوي (4/ 418) ، وابن عطية (5/ 398) .
(6) ذكره ابن عطية (5/ 398) . [.....]

الصفحة 515