كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

بالبعث، انتهى، والبنان: الأصابع، ونُسَوِّيَ بَنانَهُ معناه: نتقنها سَوِيَّةً قاله القتبي، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: المعنى: بل نحن قادرون أنْ نسوي بنانه، أي: نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كَخُفِّ البعير أو كحافر الحمار، لا يمكنه أنْ يعمل بها شيئاً، ففي هذا تَوَعُّدٌ ما، والقول الأول أجرى مع رصف الكلام «1» .
بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ معناه: أنَّ الإنسان إنَّما يريد شهواتِهِ ومعاصِيَه ليمضيَ فيها أبداً راكباً رأسه، ومطيعاً أمله، ومُسَوِّفاً توبته قال البخاريُّ: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يقول: سوف أتوب، سوف أعمل «2» ، انتهى.
/ قال الفخر «3» : قوله: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ فيه قولان:
الأَوَّل: ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان، لا ينزع عنه فَعَنِ ابن جُبَيْرٍ:
يقدم الذنب، ويُؤَخِّرُ التوبة «4» ، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوإ أعماله.
القول الثاني: لِيَفْجُرَ أَمامَهُ أي: يُكَذِّبُ بما أمامه من البعث والحساب لأَنَّ من كذب حَقًّا كان مفاجراً، والدليل على هذا القول قوله تعالى: يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ أي:
متى يكون ذلك تكذيباً له، انتهى.
وسؤال الكفار أَيَّانَ هو على معنى التكذيب والهزء، وأَيَّانَ بمعنى: متى، وقرأ نافع وعاصم بخلافٍ: «بَرَقَ الْبَصَرُ» - بفتح الراء «5» - بمعنى: لَمَعَ وصار له بريق، وحار عند الموت، وقرأ أبو عمرو وغيره بكسرها بمعنى: شَخَصَ، والمعنى متقارب، قال
__________
(1) أخرجه الطبري (2/ 328) ، رقم: (35540- 35541) ، وذكره ابن عطية (5/ 402) ، وابن كثير (4/ 448) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 464) ، وعزاه لعبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(2) ينظر: «فتح الباري» (8/ 547) ، كتاب «التفسير» .
(3) ينظر: «الفخر الرازي» (30/ 192) .
(4) أخرجه الطبري (12/ 330) ، رقم: (35555) ، وذكره البغوي (4/ 421) ، وابن عطية (5/ 402) ، وابن كثير (4/ 448) .
(5) وعاصم قرأها هكذا من رواية أبان.
ينظر: «السبعة» (661) ، و «الحجة» (6/ 345) ، و «معاني القراءات» (3/ 106) ، و «إعراب القراءات» (2/ 414) ، و «شرح الطيبة» (6/ 81) ، و «العنوان» (200) ، و «حجة القراءات» (736) ، و «شرح شعلة» (613) ، و «إتحاف» (2/ 574) .

الصفحة 520