كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ أَنَّ الإعطاءَ والبخلَ المذكورين إنما هما في المال.
وقوله تعالى: إِذا تَرَدَّى، قال قتادة وغيره: معناه تردَّى في جهنم «1» . وقال مجاهد: تَرَدَّى معناه: هَلَكَ من الردَّى «2» ، وخَرَّج البخاريُّ وغيرُه عن علي- رضي اللَّه عنه- قال: «كُنَّا مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم في بَقِيعِ الغَرْقَدِ في جِنَازَةٍ، فقالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، أوْ مَا/ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلاَّ وَقَدْ كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإلاَّ قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه، أفَلاَ نتَّكِلُ على كِتَابِنَا، وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إلى أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ؟ قال: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ، فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى إلى قوله:
لِلْعُسْرى» وفي روايةٍ، لَمَا قيلَ له: أفَلاَ نتَّكِلُ على كِتَابِنَا، قال: لاَ بَلِ اعملوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» الحديثَ، وخرَّجه الترمذيُّ أيضاً، انتهى، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» :
«وسأل شابّان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فَقَالاَ: العَملُ فِيما جَفَّتْ بهِ الأَقْلاَمُ وجَرَتْ بهِ المَقَادِيرُ أَمْ في شَيْءٍ مُسْتَأْنَفٍ؟ فقال: بَلْ فِيمَا جَفَّتْ بِهِ الأَقْلاَمُ، وجَرَتْ بِهِ المَقَادِيرُ، قَالاَ: فَفِيمَ العَمَلُ إذَنْ: قَالَ: اعملوا فَكُلُّ مُيسَّر لِعَمَلِهِ الَّذِي خُلِقَ له» قالا: فالآنَ نَجِدُّ ونَعْمَلُ» «3» انتهى، وقال قوم: معنى تردى، أي: بأكْفَانِهِ مِنَ الرِّدَاءِ ومنه قول الشاعر: [الطويل]
__________
(1) أخرجه الطبري (12/ 617) ، (37481) ، وذكره البغوي (4/ 496) ، وابن عطية (5/ 491) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 520) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 606) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة.
(2) أخرجه الطبري (12/ 617) ، (37482) ، وذكره البغوي (4/ 496) ، وابن عطية (5/ 491) ، وابن كثير في «تفسيره» (4/ 520) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (6/ 606) ، وعزاه للفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد. [.....]
(3) أخرجه البخاري (11/ 530) ، كتاب «القدر» باب: وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (6605) ، (13/ 531) ، كتاب «التوحيد» باب: قول الله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (7552) ، ومسلم (4/ 2039، 2040) ، كتاب «القدر» باب: كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته (6- 7/ 2647) ، وأبو داود (2/ 634- 635) ، كتاب «السنة» باب: في القدر (4694) ، والترمذي (4/ 445) ، كتاب «القدر» باب: ما جاء في الشقاوة والسعادة (2136) ، (5/ 441) ، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (3344) ، وأحمد (1/ 82، 129، 132- 133، 140، 157) ، وابن حبان (2/ 43- 44- 45) ، كتاب «البر والإحسان» باب: ما جاء في الطاعات وثوابها (233- 234) ، والطيالسي (1/ 32) ، كتاب «القدر» باب: ما جاء في العمل مع القدر (61) ، وابن ماجه (1/ 30- 31) ، «المقدمة» باب: في القدر (78) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

الصفحة 599