كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

تَجْتَرِىءُ حتى تَرَى كَيْفَ تَهْلَكُ، ت: والتأويلُ الأول أظهر يدل عليه قوله صلّى الله عليه وسلّم:
«أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجِدٌ» «1» وعنْ ربيعة بن كعب الأسلميِّ قال: كنت أبيت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم فآتيهِ بِوَضُوئِهِ وحَاجَتِه، فقال لي: سَلْ فقلتُ: أسألكَ مُرَافَقَتَكَ في الجنةِ، قالَ أوَ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ، قَال: فأعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ» «2» رواه الجماعة إلا البخاريَّ، ولفظُ الترمذي: «كُنْتُ أَبِيتُ عِنْدَ بَابِ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ، فَأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يقول: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَه، وأَسْمَعُهُ الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ» «3» ، قال الترمذيُّ: هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ، وليس لربيعةَ في الكتب الستَّةِ سوى هذا الحديثِ، انتهى من «السلاح» ، ورُوِيَ أن أبا جَهْلٍ جاءَ والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي، فَهمَّ بِأَنْ يَصِلَ إلَيْهِ، وَيَمْنَعَهُ مِنَ الصلاة، ثمّ كعّ وَوَلَّى نَاكِصاً على عَقِبَيْهِ مُتَّقِياً بِيَدَيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: لَقَدْ عَرَضَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدَقٌ مِنْ نَارٍ، وَهَوْلٌ وَأَجْنِحَةٌ، فيروى: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «لَوْ دَنَا مِنِّي لأَخَذَتْهُ المَلاَئِكَةُ عِيَاناً» «4» ت: ولما لم يَنْتَهِ عَدُوُّ اللَّهِ أَخَذَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَمْكَنَ مِنْهُ، وذَكَرَ الوائليُّ الحَافِظُ في كتابِ «الإبَانَةِ» له مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بن مغول عن نافِع عن ابن عمر قال: «بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ بِجَنَبَاتِ بَدْرٍ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنَ الأَرْضِ في عُنُقِهِ سِلْسِلَةٌ يُمْسِكُ طَرَفهَا أَسْوَدُ، فَقال: يَا عَبْدَ اللَّهِ، اسْقِنِي، فَقَالَ ابن عُمَرَ: لاَ أَدْرِي أَعَرَفَ اسمي، أَوْ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، فَقَالَ لي الأَسْوَدُ: لاَ تَسْقِهِ فَإنَّهُ كَافِرٌ، ثُمَّ اجتذبه، فَدَخَلَ الأرْضَ، قَالَ ابن عمر: فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فَأَخْبَرْتُه، فقال: «أَوَ قَدْ رَأَيْتَهُ؟
ذَلِكَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، وهُوَ عَذَابُهُ إلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» انتهى من «التَّذْكِرَة» للقرطبيِّ، وقد ذَكَرْتُ هذهِ الحكايةَ عَن أبي عمر بن عبد البر بأتَّم مِنْ هَذا عِنْد قوله تعالى:
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً ... [فصلت: 27] الآية.
__________
(1) تقدّم تخريجه.
(2) أخرجه مسلم (2/ 379- 380) - الأبي، كتاب «الصلاة» باب: فضل السجود والحث عليه (226/ 489) ، وأبو داود (1/ 421) ، كتاب «الصلاة» باب: وقت قيام النبي صلّى الله عليه وسلّم من الليل (1320) ، والترمذي (5/ 480- 481) ، كتاب «الدعوات» باب: منه (3416) ، والنسائي (2/ 227) ، كتاب «الافتتاح» باب:
فضل السجود (1138) ، وابن ماجه (2/ 1276- 1277) ، كتاب «الدعاء» باب: ما يدعو به إذا تنبه من الليل (3879) ، وأحمد (4/ 59) . قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
(3) ينظر: الحديث السابق.
(4) أخرجه مسلم (4/ 2154) ، كتاب «صفات المنافقين وأحكامهم» باب: قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (38/ 2797) . [.....]

الصفحة 610