كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

تفسير سورة «الهمزة»
وهي مكّيّة

[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4)
وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)
تقدم تفسير: وَيْلٌ وال هُمَزَةٍ: الذي يَهْمِزُ الناسَ بلسانهِ، أي: يَعيبُهم ويَغْتَابُهم، وال لُمَزَةٍ: قريبٌ في المعنَى مِنْ هَذَا، وَقَدْ تَقَدم بيانُه في قوله تعالى: وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ [الحجرات: 11] ، وفي قوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ [التوبة: 79] وغيرهِ، قيل: نَزَلَتْ هذه الآيةُ في الأَخْنَسِ بن شُرَيْق، وقِيلَ في جميل بن عامر، ثم هِي تتناولُ كلَّ منِ اتَّصَفَ بهذه الصفاتِ.
وَعَدَّدَهُ معناه: أحْصَاهُ وحافظَ على عَدَدِهِ أن لا ينتقص، وقال الداوديّ:
وَعَدَّدَهُ: أي: اسْتَعَدَّه، انتهى، لَيُنْبَذَنَّ: لَيُطْرَحَنَّ- ص-: نارُ اللَّهِ: خَبَرُ مبتدإٍ مَحْذُوفٍ، أي: هي نار الله، انتهى.
والَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ: أي: الَّتِي يَبْلُغَ إحْرَاقَها وألمهَا القلوبُ.
و «موصدة» : أي مُطْبَقَة مُغْلَقَة.
فِي عَمَدٍ جَمْعِ عَمُودٍ، وقرأ ابن مسعود «1» : «مُؤصَدَةٌ بِعَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ» وقال ابن زيد:
المعنى: في عمد حديد مغلولين بها، والكلّ من نار «2» ، عافانا الله من ذلك.
__________
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (5/ 522) .
(2) أخرجه الطبري (12/ 690) ، (37947) ، وذكره ابن عطية (5/ 522) .

الصفحة 626