كتاب تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن (اسم الجزء: 5)

قال ع «1» : وهذا يُرَجِّحُهُ قَوْلُ الكَفَرَةَ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فإنها محاورةٌ إنما تقال لمن ادَّعى الرِّسَالَةَ من اللَّه تعالى، والآخرُ مُحْتَمَلٌ، وذَكِرَ المفسرون في قَصَص الآيةِ أشياء يَطُولُ ذِكْرُها والصِّحَّةُ فيها غَيْر مُتَيَقَّنَةٍ، فَاخْتَصَرْتُه واللاَّزِمُ مِنَ الآيةِ أنَّ اللَّه تعالى بَعَثَ إلَيْهَا رَسُولَيْنِ، فَدَعَيَا أهلَ القَرْيَةِ إلى عبادةِ اللَّهِ وتوحيدِه، فَكَذَّبُوهُما فَشَدَّدَ اللَّهُ أمرهما بثالثٍ، وقامت الحجةُ على أهلِ القريةِ، وآمن منهم الرجلُ الذي جاءَ يسعى، وقتلوه في آخر أمره وكفروا، وأصابتْهم صيحةٌ مِن السَّمَاء فَخَمَدُوا، وقرأ الجمهُور «2» : «فَعَزَّزْنا» بِشَدِّ الزاي، على معنى: قَوَّيْنَا، وشَدَّدْنَا وبهذا فسّره مجاهد وغيره «3» ، وهذه الأمة أنكرت النبوَّاتِ بقولِها: وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ قال بعضُ المتأولين: لما كَذَّبَ أهْلُ القرية المرسلينَ أسرع فيهم الجُذَامُ.
وقال مقاتل: احْتَبَسَ عنهم المطر فلذلك قالوا: إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ «4» ، أي: تَشاءَمْنَا بكم، والأظهر أن تَطَيُّرَ هؤلاءِ إنَّما كَانَ بِسَبَبٍ ما دخَلَ قَرْيَتَهُمْ من اخْتِلافِ كَلِمَتِهِمْ وافْتِتَان النَّاسِ.
وقوله: أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ جوابُه محذوف، أي: تَطَيَّرْتُم، قاله أبو حيان «5» وغيره، انتهى، وقولهُم- عليهم السلام-: طائِرُكُمْ مَعَكُمْ، معناه: حظُّكُمْ وَمَا صَارَ لَكُمْ من خير وشرٍّ مَعَكُمْ أي: من أَفْعَالِكم وَمِنْ تَكَسُّبَاتِكُمْ، ليس هو من أجْلنا، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: «أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ» بهمزتين «6» الثانيةُ مكسورةٌ. وقَرأ نافعٌ وغيرُه بتسهيل الثانية، وردِّها ياءً: «أَيِنْ ذُكِّرْتُمْ» . وأخبر تعالى عن حالِ رجلٍ جَاء من أقصى المدينةِ يَسْعَى سَمِعَ المرسلينَ وفَهِمَ عَن اللَّهِ تعالى، فَدَعَا عَنْد ذلكَ قومَه إلى اتّباعِهم والإيمان بِهِم، إذ هو
__________
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 449) .
(2) ينظر: «المحرر الوجيز» (4/ 449) ، و «البحر المحيط» (7/ 313) ، و «الدر المصون» (5/ 477) .
وقد قرأ أبو بكر بالتخفيف، وقرأ بها الحسن، وأبو حيوة، وأبان، والمفضل.
ينظر: «السبعة» (539) ، و «الحجة» (6/ 38) ، و «إعراب القراءات» (2/ 230) ، و «معاني القراءات» (2/ 304) ، و «شرح الطيبة» (5/ 166) ، و «العنوان» (159) ، و «حجة القراءات» (597) ، و «شرح شعلة» (557) ، و «إتحاف» (2/ 398) .
(3) أخرجه الطبري في «تفسيره» (10/ 431) برقم: (29085) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 449) .
(4) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 449) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (4/ 9) ، ولم يعزه لأحد.
(5) ينظر: «البحر المحيط» (7/ 314) .
(6) وقرأها هكذا حفص، وقرأها المفضل مثل قراءة نافع، يعني بتسهيل الهمزة الثانية.
ينظر: «السبعة» (540) ، و «الحجة» (6/ 38) ، و «إعراب القراءات» (2/ 230) ، و «معاني القراءات» (2/ 306) ، و «شرح الطيبة» (5/ 167) ، و «العنوان» (159) ، و «إتحاف» (2/ 398) .

الصفحة 9