كتاب العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (اسم الجزء: 5)
والله أعلم.
ثم أن العقوباتِ لا تخلو من الحكم والغايات المرجِّحة الحميدة، المرجحة لها على العفو كالانتقام لأولياء الله تعالى مرةً، والموعظة لهم أخرى، قال الله تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، وقال: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} [التوبة: 14 - 15]، وآخرها مثل قوله: {وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 26 - 27].
وهذا تخصيصٌ لعموم مفهوم {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم} كما خصه الله في آخرها بقوله: {إلاَّ الَّذين تابُوا}، وفي قوله: {والله عليمٌ حكيم} تعليل التخصيص بالحكمة والعلم لا بمجرد الاتفاق كما ذلك يعلل به في آخر آية المُرْجَين لأمر الله في سورة التوبة [106].
وقال: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِين} [البقرة: 66] وهذا يعمُّ عقوباتهم كلها سواء كانت بالحرب في الدنيا، أو بالأمراض، أو بعذاب الآخرة، أو بالإضلال المُؤدي إلى ذلك، وهو مشهورٌ في كلام علماء الإسلام حتى في كلام أئمه الزيدية، ففي كلام المنصور بالله عليه السلام مع شدته في الرد على الجبرية ما لفظه في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125]، والعقوبة يجوز إنزالها بالمستحقين ويجوز تقديم شيءٍ منها في الدنيا كما فعل بالمستهزئين (¬1).
وكذلك قوله (¬2) تعالى: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} [المائدة: 41] قال: فالمراد بذلك تنزيهُها (¬3)
¬__________
(¬1) في (أ): بالمنتقمين.
(¬2) في (ش): وكذلك قال في قوله.
(¬3) في (أ): بتنزيهها.
الصفحة 423
440