كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد (اسم الجزء: 5)
مُضْطَرِبٌ فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الترمذي وَالنَّسَائِيُّ.
وَقِيلَ: فِيهِ عَنْ أبي مطيع بن رفاعة، وَقِيلَ: عَنْ أبي رفاعة وَقِيلَ عَنْ أبي سلمة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ يحيى، عَنْ محمد بن عبد الرحمن، عَنْ جابر، وَعِنْدَهُ عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أبي سلمة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَهُ عَنِ ابْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ رفاعة عَنْ أبي سعيد. وَيَبْقَى الِاخْتِلَافُ فِي اسْمِ أبي رفاعة، هَلْ هُوَ أبو رافع، أَوِ ابن رفاعة أَوْ أبو مطيع؟ وَهَذَا لَا يَضُرُّ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِ رفاعة.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ أَحَادِيثَ جابر صَرِيحَةٌ صَحِيحَةٌ فِي جَوَازِ الْعَزْلِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَخَّصُوا فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا. قَالَ البيهقي: وَقَدْ رُوِّينَا الرُّخْصَةَ فِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ مالك وَالشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ جدامة بِأَنَّهُ عَلَى طَرِيقِ التَّنْزِيهِ وَضَعَّفَتْهُ طَائِفَةٌ، وَقَالُوا: كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَّبَ الْيَهُودَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ يُخْبِرُ بِهِ كَخَبَرِهِمْ؟! هَذَا مِنَ الْمُحَالِ الْبَيِّنِ، وَرَدَّتْ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ أُخْرَى، وَقَالُوا: حَدِيثُ تَكْذِيبِهِمْ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَحَدِيثُ جدامة فِي " الصَّحِيحِ ".
وَجَمَعَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، وَقَالَتْ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ الْعَزْلَ لَا يَكُونُ مَعَهُ حَمْلٌ أَصْلًا، فَكَذَّبَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ» ) ، وَقَوْلُهُ: ( «إِنَّهُ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ» ) فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعِ الْحَمْلَ بِالْكُلِّيَّةِ كَتَرْكِ الْوَطْءِ فَهُوَ مُؤَثِّرٌ فِي تَقْلِيلِهِ.
الصفحة 132