كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (اسم الجزء: 5)

ورجعنا بعد أن أقمنا شهرين. فلما وصلنا إلى الموصل اجتمعنا بصاحبها بدر الدين [لؤلؤ (¬1)]، فأخبرنا بأن التتر استظهروا على المسلمين ببلاد الروم وكسروهم، وأن غياث الدين صاحب البلاد انهزم إلى بعض المعاقل. فتوجهنا إلى نصيبين واجتمعنا بالأمير حسام الدين بركة خان، مقدم الخوارزمية وتحدثنا معه في معنى القيام بنصرة السلطان الملك الصالح نجم الدين، والمضى بالخوارزمية إلى خدمته ومعاضدته على أعدائه. فوعد بركة خان بذلك، وكان حديثه لنا بواسطة ترجمان بيننا وبينه. وعدنا إلى حماه فدخلناها في إحدى الجمادتين من هذه السنة. وسمعنا عند وصولنا إلى حلب ما جرى على المسلمين ببلاد الروم، ووجدنا خلقا من الجافلين من تلك البلاد.
واضطرب الشام لذلك اضطرابا كثيرا، ووجدنا بحلب القاضى أفضل الدين الخونجى، وكان قاضيا ببلاد الروم، وهو على عزم المضى إلى الديار المصرية.
ونظمت وأنا بحلب أبياتا، ذكرت فيها المنازل بين بغداد وحماة، وهى:
طواها سراها حين طال سفارها ... وانحلها تهجيرها وابتكارها
وأتبعها جذب البرى وأذابها اش‍ ... تياق إلى أرض بعيد مزارها
وما باعث الأشواق نحو بلادها ... سوى أهلها لا شيخها وعوارها
إذا لاح برق من حماة وأرضها ... تضاعف بلواها وزاد أوارها
وتعرض عن ماء الفرات ودجلة ... إذا ذكر العاصى ويبدو انكسارها
ولما أبيحت عزمة العود بعد ما ... تطاول من شوق اليها انتظارها
تزحلق عن دار السلام طوالبا ... بنا أرض وأنّا والأنين شعارها
¬_________
(¬1) ما بين الحاصرتين للتوضيح.

الصفحة 325