كتاب مفرج الكروب في أخبار بني أيوب (اسم الجزء: 5)

وكان يقترح عليه أمورا علمية وآلات رياضية، فعمل له كرة من الخشب رسم فيها جميع الكواكب المرصودة في السماء، وعملت هذه الكرة بالقلعة، وكنت أساعد (¬1) الشيخ علم الدين على تحريرها. وكان السلطان الملك المظفر - رحمه الله - يحضرنا ونحن نرسمها، ويسألنا عن المواضع الدقيقة فيها، فنخبره، فيدرك ما نقول لصحة إدراكه وقوة ذهنه. وحصل لى منه - رحمه الله - حظ كثير، واعتناء عظيم، وذلك قبيل موته بسنة أو نحوها. وكان كل وقت يسأل الشيخ [49 ب] علم الدين: «أي شىء وصلت إليه من كتاب المجسطى (¬2) والعلوم الرياضية؟». وإذا حضرت معه باسطنى وتحدث معى كثيرا، وسألنى عن الذى حققته من هذه الفنون، وهو منشرح لذلك مسرور به، وكنت مؤملا بلوغ الآمال كلها منه.
ولما عرض له ما عرض من ذلك المرض، حصل عندى من الألم ما لا مزيد عليه. ففارقت حماه وانتقلت إلى الديار المصرية.
وكان رحمه الله ناقص الحظ، لم يزل مع جيرانه في حروب دائمة وعناء متصل إلى أن عرض من المرض له ما عرض. وكان يرجو ظهور الملك الصالح وقوته لينتقم به من أعدائه، فحين ظهر أمر الملك الصالح عرض له من المرض ما عرض، وأعقب ذلك موته.
¬_________
(¬1) ذكر أبو الفدا (المختصر، ج 3، ص 173): «قال القاضى جمال الدين بن واصل وساعدت الشيخ علم الدين على عملها».
(¬2) يحتوى كتاب المجسطى على خلاصة ما توصل إليه قدماء اليونان في علم الفلك، ويعتبر هذا الكتاب المرجع الأساسى في هذا في العالم الأسلامى وفى أوربا إلى عصر النهضة. ونقل كتاب المجسطى إلى اللغة العربية أكثر من مرة، انظر مقدمة كتاب الشكوك على بطليموس للحسن بن الهيثم، تحقيق الدكتور عبد الحميد صبره والدكتور نبيل الشهابى.

الصفحة 344