العراق، وذكر لى أنه دخل بغداد في خلافة المستنجد بالله (¬1) وعمره خمس عشرة سنة، والوزير ببغداد يومئذ عون الدين بن هبيرة. واشتغل فيها بالأصول ومذهب الشافعى، وكان قبل ذلك حنبليا. وسافر إلى الديار المصرية وأقام بها مدّة طويلة، وقدم إلى حماة بعد سنة ستمائة. واعتنى به الملك المنصور [ناصر الدين أبو المعالى محمد صاحب حماه (¬2)] وبنى له مدرسة بحماه، واشتغل عليه بالعلم ولازمه. وصنف بحماه كتبا كثيرة (¬3) في الأصولين والخلاف والمنطق. وكان يغرى (¬4) بالرد على فخر الدين ابن خطيب الرازى (¬5)، ويتتبع كلامه وإفساده. وإذا ذكره في تصانيفه يقول:
«قال بعض المتأخرين»، ويبالغ في ثلبه والوقيعة فيه.
وغالب ظنى أنه كان يفعل ذلك حسدا لفخر الدين، فإنه كان يعتقد في نفسه أنه أعلم (¬6) من فخر الدين أو مساويه في العلم، ويرى أن فخر الدين أشهر عند الناس منه، وإقبال الناس على تصانيف فخر الدين أكثر من إقبالهم على تصانيفه، وتعظيمهم له أكثر لا سيما العجم. وكان يبلغه أن السلطان علاء الدين محمد بن تكش خوارزم شاه (¬7) كان ينزل إلى خدمة فخر الدين راجلا، ويأخذ العلم عنه، ويعظمه
¬_________
(¬1) تولى المستنجد بالله الخلافة بين سنتى 555 - 566 هـ.
(¬2) أضيف ما بين الحاصرتين للتوضيح. وقد تولى الملك المنصور [الأول] حماه سنة 587 هـ وتوفى سنة 617 هـ، انظر زامباور، معجم الأنساب، ج 1 ص 153.
(¬3) في نسخة س «كتب كثيرة»، وهو تصحيف والصيغة المثبتة من نسخة م.
(¬4) في نسخة س «مغرى»، والصيغة المثبتة من م.
(¬5) كلمة «الرازى» غير واضحة تماما في نسخة م وفى نسخة س وردت «الرى» وهو تصحيف، وهو أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين الطبرستانى الرازى المعروف بابن الخطيب الفقيه الشافعى. فاق أهل زمانه في علم الكلام والمعقولات وعلم الأوائل، ولد بالرى سنة 544 هـ، وتوفى في هراة سنة 606 هـ، انظر ترجمته في ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 1، ص 474 - 476.
(¬6) في نسخة م «فانه كان يعتقد أنه في نفسه» والصيغة المثبتة من نسخة س.
(¬7) حكم بين سنتى 596 - 617 هـ، انظر زامباور، معجم الأنساب، ج 2، ص 317.