كتاب تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف (اسم الجزء: 5)

وكانت الأسرة كما أسلفنا إسماعيلية، وكان الفاطميون يولون أبناءها على المدينة، الواحد تلو الآخر، إذ كانوا من شيعتهم. ومن أهمهم منظور بن عمارة المتوفى سنة 495. وتنتهى الدولة الفاطمية على يد صلاح الدين وتدخل الحجاز فى طاعته، ويبقى على بنى مهنا أمراء للمدينة وكانوا يتولون إمارتها فى العهد الأيوبى من قبل الخلفاء العباسيين، ومن أشهرهم حينئذ أبو فليته الذى حضر مع صلاح الدين فتح أنطاكية سنة 584 وولى بعده ابنه سالم، وكان شاعرا، وكانت بينه وبين قتادة شريف مكة موقعة بذى الحليفة بالقرب من المدينة سنة 601 هزم فيها قتادة، وفى ذلك يقول ملتاعا:
مصارع آل المصطفى عدن مثلما … بدان ولكن صرن بين الأقارب
ويقال إن سالما حضر إلى مصر فى سنة 610 للشكوى من قتادة، ومات فى طريق عودته قبل وصوله إلى المدينة، وولى بعده ابنه شيحة وظل على المدينة حتى قتل سنة 647 وخلفه ابنه عيسى، وقبض عليه أخوه جمّاز سنة 649 وملك مكانه، وهو الذى ظلت الإمرة بعده فى بيته، وطال عمره حتى سنة 704 وعمى فى آخر أيامه، وقدم مصر سنة 692 فأكرمه سلطانها خليل وعظمه، وقبل شفاعته فى أمير ينبع وفى أبى نمى أمير مكة وكان قد غاب عن لقاء الركب المصرى. وخلفه ابنه منصور، ووفد أخوه مقبل على الظاهر بيبرس (هكذا فى ابن خلدون وصبح الأعشى وهو المظفر بيبرس الجاشنكير) فأشرك بينهما فى الإمرة وفيما عيّنه من إقطاع لأمير المدينة، وغاب منصور عن المدينة لأمر واستخلف ابنه كبيشة، فملكها مقبل من يده، ولحق كبيشة بأحياء العرب، فنصروه على عمه وسقط قتيلا سنة 709 ورجع منصور إلى إمارته، وظل بها حتى توفى سنة 725.
ويكثر الخلاف بين أفراد هذه الأسرة وما يكاد يتولاها شخص منهم حتى ينقضّ عليه آخر.
ويكفى أن نذكر ممن تولوا إمارتها حتى نهاية القرن الثامن على الترتيب كبيشة بن منصور، وودّى بن جماز وطفيل بن منصور وسيف وفضل ومانع من عقب جماز، ثم جماز بن منصور وهبة ابنه، وهبة آخر من عقب ودّى وعطيفة بن منصور بن جماز وهبة بن جماز وجماز بن هبة بن جماز ونعير بن منصور وثابت بن نعير. وكثيرا ما كان يثب على الإمارة أحد هؤلاء الأربعة عشر واليا حتى سنة 799. ووراء هؤلاء أسماء أمراء للمدينة آخرين مثل محمد بن عطيفة المتوفى سنة 788 وهبازع بن هبة الله المتوفى بالسجن فى الإسكندرية سنة 789. وحقّا كانت تتبع المماليك وكانوا هم الذين يولون عليها الأمراء، ولكن الأمر أفلت من أيديهم إزاء هذا الصراع الحاد، فما يكادون يولون شخصا حتى تقيم الأسرة شخصا آخر وتطلب توليته، ويفزع إلى القاهرة كى تخلع عليه وتنصبه أميرا. على كل حال

الصفحة 16